strong>بول الأشقرخاص بالموقع- عفوياً، تجمع الآلاف في ساحة أيار على مقربة من «البيت الزهر»، مقرّ الرئاسة في الأرجنتين، وهم يريدون تكريم ذكرى الراحل والتعبير عن تضامنهم مع زوجته الرئيسة. والمئات أمضوا الليلة في الساحة ليكونوا أول من يدخل القصر ويتأمل الجثمان الذي نقل من سانتا كروز إلى العاصمة قبل أن يعود ليدفن نهار السبت في بانتاغونيا.
وبدأ أيضاً رؤساء أميركا الجنوبية يصلون إلى بوينس آيرس. والقسم الأكبر منهم أصدقاء شخصيون لنستور كيرشنير، بدءاً بالرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا ونظيره الفنزويلي هوغو تشافيز، اللذين سبقاه إلى الرئاسة، وعليهما الآن إيجاد بديلاً له في أمانة أوناسور.
ثلاث شخصيات تلخص الأرجنتين بعد عودة الديموقراطية: الراديكالي راوول ألفونسين في الثمانينيات وقد توفي قبل أشهر، البيروني اليميني كارلوس منعم كرمز للنيوليبرالية وقد حكم في التسعينيات، والبيروني اليساري نستور كيرشنير الذي شغل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
مثلث السنوات «ك»، كما كانت تسمى حقبة آل كيرشنير المستمرة مع كريستينا، نقيضاً منهجياً لحقبة منعم: إن في السياسة الاقتصادية، وقد تخلى كيرشنير عن وصفات صندوق النقد العالمي التي أوقعت الأرجنتين في الهاوية، أو في الموقف من قضايا حقوق الإنسان حيث وقفت الدولة إلى جانب محاكمة المرتكبين بدلاً من العفو الذي كان قد وزّعه منعم عليهم، وأخيراً في السياسة الخارجية، حيث ابتعد كيرشنير عن «العلاقة شبه الجسدية» مع الولايات المتحدة التي كان يروّج لها منعم ليستبدلها بعلاقة مميزة مع جيرانه في أميركا الجنوبيةمرشحٌ أو لا، وكان سيترشح على الأرجح، لا يختلف اثنان على أن نستور كيرشنير كان سيؤدي الدور الأول في انتخابات العام المقبل. وتأتي هذه الوفاة المفاجئة لتعيد خلط الأوراق، من دون أن يسهل جزم من سيستفيد منها. وتعيدك الذاكرة إلى الخمسينيات حيث أدت وفاة إيفيتا بيرون بمرض السرطان عام 1952 إلى تفجير عواطف الجماهير المنكوبة، ولكن أيضاً إلى فتح الباب أمام إبعاد بيرون من السلطة بواسطة انقلاب عام 1955. عام 1973، بعد عودته من المهجر، يفوز بيرون في الانتخابات ويتوفى بعد عام، وتحل محله زوجته إيزابيليتا التي تفتح الباب للانقلاب العسكري... بالتأكيد، أرجنتين اليوم تختلف جذرياً عن أرجنتين الخمسينيات أو السبعينيات، إلا أن الموت يطرق مجدداً الباب ويمزج مرة أخرى بين الزوجي والبيروني والسياسي.
الثنائي كيرشنير كان يقسّم الأدوار: لنستور التخطيط والتخييط والمواجهة، ولكريستينا الخطابة والتحليل والإخراج. وتجمعت حولهما نواة عرفت الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها، مستفيدة من تفتّت المعارضة في شتى الاتجاهات. إلا أن الآلية نفسها خلقت أيضاً ردة فعل ضدهما، وخصوصاً في العاصمة وفي الصحافة، أربكت رئاسة كريستينا التي كان يؤيّدها عشية وفاة نستور واحد من كل ثلاثة أرجنتينيين.
والآن؟ كريستينا في البيت الزهر، وستفتقد مستشارها الأول ومهندس تحالفاتها. ومن المرجّح أن تأتيها الضربة الأولى من الطموحات المكبوتة في صفوف الحزب البيروني ونستور غائب لتأطيرها أو لجمها. وعليها أن تقرر سريعاً، وقد ضاق هامش مناورتها، إذا كانت ستخوض مغامرة التجديد المعقدة. تُجمع الصحافة الأرجنتينية على القول إن «ولاية كريستينا تبدأ اليوم»، وتوحي بذلك أن ما سبق كان «ولاية نستور الثانية». بعد مرور فترة الحداد، ستنجلي الصورة ويتبيّن إذا كان نستور كيرشنير قد ترك إرثاً، وإذا كانت كريستينا ما زالت قادرة على حمله.