قمة ثلاثيّة تبحث الملفات الأمنية والنوويّة والتعاون الاقتصادي... وإيراندوفيل ــ بسّام الطيارة
ما إن رحلت ٩٠٠ امرأة شاركن في «دافوس النساء» الذي يعقد سنوياً على شواطئ بحر الشمال، حتى تغيرت الإجراءات الأمنية في محيط المدينة الصغيرة دوفيل وشقيقتها تروفيل (غرب) استعداداً لقمة تتوجه نحوها الأنظار وتجمع الرئيس الروسي دميتري مدفيديف والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بدعوة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.
اختيار المنتجع البحري للقاء ليس عفوياً، بل يحمل الكثير من المعاني التي لا تغيب عن الأوروبيين. فاللقاء يُعقد مع اقتراب الذكرى الواحدة والعشرين لانهيار جدار برلين، أي على خسارة روسيا رهانها الإمبراطوري وإزالة الخوف من نفوس الأوروبيين بإمكان وصول دبابات الـ«تي ٧٢» إلى شواطئ الأطلسي في أقصى نقاط غرب أوروبا.
وكان اللقاء السابق بين زعماء «أكبر ثلاث دول في القارة الأوروبية» في عام ٢٠٠٦ قد حمل معاني شبه مماثلة، لكنها كانت موجهة لألمانيا، فهو التأم في «كومبيان» (شرق) على بعد أمتار من المكان الذي وقّعت فيه فرنسا وثيقة استسلامها أمام الجيوش النازية الغازية عام ١٩٤٠.
اختيار منتجع دوفيل يحمل الكثير من المعاني السياسية التي لا تغيب عن الأوروبيين
وفي الواقع، فإن قمة أمس بين الزعماء الثلاثة وضعت على طاولة النقاشات مجموعة من الملفات التي إن كانت تنظر إلى مستقبل العلاقات بين الدول الثلاث، إلا أنها تحمل الكثير من أثقال الماضي.
مصادر فرنسية مقربة من الملفات ترى أن أهمية اللقاء تتمثل في تشجيع روسيا، فهي «تنظر أكثر فأكثر نحو الغرب». وتقول المصادر: يجب «أن نواكب هذا التطور الإيجابي».
في المقابل، لا ترى مصادر في محيط الوفد الروسي في القمة إلا «إيجابية التعامل معنا كقوة أوروبية»، التي يمكن أن تكون مفيدة لأوروبا وللعالم. أما الوفد الألماني، فهو لا يخفي أن من أبرز أهداف ميركل التي تقف وراء هذه القمة «ملف الأمن الأوروبي»، إضافة إلى «النظر جدياً في ربط الاقتصاد الروسي بالآلة الاقتصادية الأوروبية».
إلا أنه قبل التئام القمة، صدرت عدة «انتقادات من الحلفاء الأوروبيين» الذين لم يُدعَوا إلى القمة، والذين يرون أنهم «أيضاً من كبار الأوروبيين»، وفي مقدمتهم بولونيا وإيطاليا. أما أسباب التذمر، فيعيدها خبير فرنسي إلى «المنافسة التجارية في السوق الروسية» بالنسبة إلى روما وإلى «الخوف من التنازلات الأمنية» بالنسبة إلى وارسو. كذلك، إن هذه القمة تعقد تحت مراقبة شديدة من أعين واشنطن التي تتخوف من أن تعطي باريس وبرلين آذاناً مُصغية لانتقادات موسكو للدرع الصاروخية، وأن يزيد هذا من التصلب الأوروبي قبل قمة الحلف الأطلسي في برشلونة في الشهر المقبل التي تستعد لدراسة وإقرار «مفهوم الردع النووي» المفروض أن تقره القمة، والمرتبط مباشرة بإقامة حماية صاروخية لأوروبا.
ويرى أكثر من مراقب أن لقاء دوفيل هو تحضير لقمة برشلونة الأطلسية، التي عليها أن تقر كيفية «الوصول إلى صفر نووي»، وهو الشعار الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما في العام الماضي.
إلا أن هذا الشعار «الطوباوي»، حسب وصف أكثر من خبير، يفرق الأوروبيين بدل أن يجمعهم. الفريق الأول، الذي تقوده ألمانيا ومعها عدد من الدول «الصغيرة» (النروج والدنمارك واللوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا)، ترى أنه يجب الإسراع والبدء بتفكيك «النووي الأوروبي»، وصولاً إلى جعل القارة القديمة خالية من الأسلحة النووية.
بالطبع يخالفها الرأي مجمل الدول الشيوعية السابقة التي خرجت من وراء الستار الحديدي وترى في «نووية أوروبا» ضمانة ردع للدب الروسي، وقد طمأنها الأمين العام لحلف الأطلسي، أندروز فوغ راسموسين، بقوله إن الحلف الأطلسي سيكون آخر من ينزع أسلحته النووية.
مراقبون يرون أن لقاء دوفيل يمثل تحضيراً لقمة برشلونة الأطلسية
ويقف بين هاتين الكتلتين فرنسا، التي تمتلك «ردعها النووي الصغير»، والتي تتخوف من أن تدفع هي ثمن أي توافق بين الحلف الأطلسي والروس على نزع النووي في أوروبا. إذ إنها إلى جانب بريطانيا (التي بدأت تتخلى عن ترسانتها من طريق عدم تجديدها) الوحيدة التي تمتلك «حصانة نووية» يحصرها المفهوم الديغولي للردع «بحماية الحدود الوطنية».
أما الهاجس الروسي فهو موجه «فقط نحو الدرع الصاروخية» التي ترى موسكو أنها موجهة إليها فقط، وتدعو في المقابل إلى مفهوم حماية معروف باسم «في في» «VV»، أي درع تشمل ما بين فانكوفر في أقصى الشمال الأميركي وفلاديفوستوك في أقصى الشرق الروسي، وهو ما يراه أحد المراقبين أنه «ثرثرة ترمي فقط إلى إضاعة وقت الحلف الأطلسي وتمييع ملف الدرع الصاروخية».
إلا أن برلين ترى فيه «خطوة إيجابية» وتؤيده باريس على أساس أنه لا يجبرها على الاختيار بين مراعاة الروس وموافقة الأميركيين، إضافة إلى أنه «يفي بالغرض المعلن»، أي الدفاع عن أوروبا من أي هجوم من الدول المارقة في إشارة مباشرة إلى إيران، وخصوصاً أنها تمتلك سلاحها النووي الذي يحميها من «أي حالة غدر».
ويتفق الجميع على أن «الملف الإيراني لن يكون غائباً عن وليمة العشاء». فباريس، ومثلها برلين، ترى أن مواقف موسكو من الملف النووي الإيراني «إيجابية جداً» ويجب مواكبتها لزيادة الضغوط على طهران، وخصوصاً أن المفاوضات المقبلة قد حُدِّد موعدها.


تطالب موسكو «بأثمان باهظة لمواقفها» في الملف الإيراني؛ إذ من المتوقع، في حال فشل جولة المفاوضات الجديدة، تبني سلسلة عقوبات جديدة تتطلب تعاون روسيا والصين لتصبح ناجعة. ولوح مستشار الرئيس الروسي، سيرجي بريخودكوا بفائدة «إلغاء التأشيرات للمواطنين الروس وحرية تنقلهم في الاتحاد الأوروبي». وتطالب روسيا بـ«دعوة إلى قمة الحلف الأطلسي»، وهو بالطبع ما يعارضه الأمين العام للحلف، أندروز فوغ راسموسين والأميركيون