«قمة خماسيّة» في باريس لإخراج أوروبا من «شبّاك الدفع»باريس ــ بسّام الطيارة
تستعد باريس لـ«قمة خماسية» في محاولة لإخراج مسار العملية السلمية من نفق الجمود. فقد علمت «الأخبار» من مصادر مقربة من الملف أن باريس نجحت في إقناع الرئيس المصري حسني مبارك في المشاركة في قمة باريس في ٢١ الشهر الجاري، إلى جانب الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مشاركة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.
وبحسب أكثر من مصدر، فإن العمل على عقد هذه القمة كان قائماً منذ أطلق الفكرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في نهاية شهر آب الماضي، في إشارة إلى كلامه على دور الاتحاد الأوروبي خلال خطابه أمام مؤتمر السفراء السنوي. وقد أدخل انطلاق المفاوضات من واشنطن المبادرة في مرحلة تردد، إلا أن استبعاد الأوروبيين عن «جولات واشنطن» شحذ من همة الدبلوماسية الفرنسية، وخصوصاً في ضوء الاتهامات لأوروبا بأداء دور «دفتر شيكات للدبلوماسية الأميركية» أو حسب وصف الوزير الفرنسي برنار كوشنير «شبّاك للدفع»، من دون أي دور سياسي.
وتؤكد مصادر خبيرة أن باريس كانت تملك معلومات تفيد بأن تجميد الاستيطان لن يجدد، وهو ما يمكن أن يقود إلى «انهيار هيكلية الاتحاد من أجل المتوسط»، إذ إن عودة بناء المستعمرات في الأراضي المحتلة ستمنع أكثر من زعيم عربي من حضور قمة برشلونة المتوسطية «وبصورة خاصة مبارك»، حسب أحد الدبلوماسيين بعد فشل لقاء شرم الشيخ الذي لم تُدعَ «باريس ولا أوروبا» إليه.
إلا أنه استناداً إلى معلومات متقاطعة من عدة مصادر ومراكز أبحاث فرنسية كُلِّفت البحث في «مخرج للوضع الحالي»، علمت «الأخبار» أن «القلق الفرنسي يعود إلى شهور سابقة» وأنه رافق تصاعد موجة التذمر من السياسة الإسرائيلية المتعنتة التي بلغت أوجها مع حملة «جي كول»، التي دعمها عدد من مؤيدي إسرائيل تحت عنوان «إنقاذ إسرائيل من سياسة حكومتها».
وحسب هذه المعلومات، فإن الوزير كوشنير بات يرى ضرورة دعم الفلسطينيين بقوة للحصول على دولتهم «إنقاذاً لإسرائيل»، ولو تطلب الأمر «الذهاب إلى مجلس الأمن»، وهو ما لوح به في افتتاحية وقّعها مع وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس في صحيفة «لوموند» قبل شهرين، وأطلقها قبل جولته القصيرة في نهاية الأسبوع الماضي. والتبريرات التي يسوقها كوشنير هي أن مسار الأمور يذهب نحو «إلغاء أي أمل في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة» مع توسع العملية الاستيطانية والسيطرة على منابع المياه، وبالتالي فإن هذا سوف يقود إلى «دولة واحدة لشعبين»، ما يمكن أن يهدد «وجود إسرائيل كدولة يهودية خلال عقود قليلة» من خلال العامل الديموغرافي وبسبب «ديموقراطية النظام الإسرائيلي»، الذي لا يمكن إلا أن يقود إلى ما يسميه الدبلوماسيون «مسيرة أفريقيا الجنوبية».
ويقول دبلوماسي أوروبي: «يبدو أن كوشنر استطاع إقناع ساركوزي بوجهة النظر هذه وضرورة إنقاذ مسار العملية التفاوضية في ظل عجز واشنطن الظاهر». وقد انعكس هذا بتغيير في الخطاب الدبلوماسي الفرنسي، الذي عاد ليضع في مقدمة تصريحاته، التشديد على «سيادة غير مقيدة لكل من الدولتين على أراضيها الخاصة في حدود ٦٧»، مع إشارة إلى تبادل «طفيف» للأراضي «عبر تفاوض جدي» وضرورة «احترام هذه السيادة». وتشدّد باريس على ضرورة «تسهيل الوصول إلى الأماكن المقدسة للجميع» عبر إيجاد وضع خاص للقدس. كذلك إن طرح الرئيس ساركوزي الاستعداد للمشاركة بجنود دوليين لحماية حدود الدولة الفلسطينية هو بمثابة «حل لمسألة غور الأردن»، على نحو مشابه لما كان قائماً على معابر غزة، حسب أكثر من خبير.
يضاف إلى ذلك تجاهل الدبلوماسية الفرنسية قرارات الحكومة الإسرائيلية إلزام غير اليهود التعهد بالولاء للدولة اليهودية، مع التشديد على أن هذا «مشروع قانون لم يقدم إلى الكنيست». ويرى البعض أن هذا القانون، والحديث المتصاعد عن «يهودية الدولة»، هو بمثابة «محاولات اليمين الإسرائيلي للإجابة عن تخوفات البعض من شبح دولة واحدة لشعبين».
وتشير الدلائل إلى أن الأميركيين ليسوا بعيدين عن هذا المنظور العام لمقاربة الخروج من المأزق، شرط «تسليفهم فرصة قطوع انتخابات التجديد النصفية» في تشرين الثاني. وتؤكّد مصادر لـ«الأخبار» أن بعثتين أميركيتين كانتا في الكي دورسيه عشية رحلة كوشنير إلى المنطقة. ورغم نفي المصادر «طلب أي إذن من واشنطن» للقيام بأي مبادرة، إلا أنها أكدت أنه جرى التباحث بزيارة الوزيرين الأوروبيين إلى إسرائيل والأردن. كذلك يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي، عموماً، يدعم بقوة هذه الدبلوماسية الجديدة التي وصفها المراقبون بأنها «خروج من سجن الرباعية» التي حُشرت أوروبا فيها من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.
وفي هذا السياق، لا يستبعد الدبلوماسي الأوروبي أن «يبقي ساركوزي كوشنير في الكي دورسيه لمتابعة هذا الملف خصوصاً»، نظراً لعلاقاته القوية مع الأطراف الضالعة، وإن كانت مصادر سياسية فرنسية ترى «عدم وجود أي أمل لكوشنير بالعودة إلى الكي دورسيه بعد التغيير الحكومي»، إلا أنها لا تستبعد إقدام الرئيس على تسليمه هذه المهمة لمدة تتراوح بين «ثمانية واثني عشر شهراً» نظراً للكسب السياسي الذي يمكن أن يحصده الرئيس في حملته الرئاسية المقبلة في حال وصوله إلى بداية حل ينقذ مسار السلام وإسرائيل في آن واحد.