Strong>صداقة تدعمها المنافع الماليّة والنفطيّة«صداقة» جمعت الزعيم الليبي معمر القذافي ورئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلوسكوني. صداقة محت سنوات الاستعمار بعدما تعهّدت إيطاليا بدفع تعويضات ماليّة للدولة المستعمرة. وبعيداً عن البروتوكولات الرسمية، وجد الثنائي القذافي وبرلوسكوني، كل منهما ضالّته في الآخر. فالأول يدّعي سعيه الى أسلمة أوروبا والستر على نسائها، فيما الثاني منغمس بملذات الحياة حتى الثمالة وينصح النساء بالزواج برجال أغنياء «مثلي».
علاقة الانسجام الفكري تنضج يوماً بعد يوم، حتى شعر معها برلوسكوني برغبة في تقبيل يد صديقه، لتسقط هيبته كرئيس لحكومة إيطاليا. إلا أنه يظلُّ يبتسم، متجاوزاً فضائحه، وغير محرج من صداقة القذافي

ربى أبو عمّو
منذ تولّيه رئاسة الحكومة الإيطالية، راكم سلفيو برلوسكوني مجموعة من المواقف الغريبة والفضائح، عزلته كشخصية سياسية عن زملائه في دول العالم. ولم يكن هذا الرجل المليونير ليخجل يوماً من «وقاحته» هذه، التي اعتاد أن يبررها إما بالنفي أو بالفكاهة. شخصية برلوسكوني استنسخت عنه أخرى كاريكاتورية، أسقطت عن شخصه الحقيقي صفة الجدية.
ويبدو برلوسكوني بشخصيته الغريبة، وأحياناً المقززة كأن يظهر على أغلفة الصحف والمجلات عارياً، تحوطه نساء عاريات، وحيداً بين نظرائه السياسيين في العالم. هذا قبل أن يتعرّف عن قرب إلى رجل يشبهه، تحوّل إلى «أيقونة» بالنسبة إلى المليونير الإيطالي، هو الزعيم الليبي معمّر القذافي.
قد يكون غريباً أن تنشأ علاقة صداقة إلى هذه الدرجة بين رجلين ينتميان إلى بلدين، أحدهما مستعمِر والآخر مستعمَر. ويبدو أن معاهدة الصداقة التي وقّعتها ليبيا وإيطاليا في عام 2008، نجحت في قطع الحبل المعقّد بين البلدين إلى الأبد، وقد نصّت على أن تستثمر إيطاليا 200 مليون دولار سنوياً على مدى 25 عاماً، وشقّ طريق سريع عبر ليبيا من الحدود التونسية إلى مصر، وإزالة ألغام ترجع إلى فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا. في المقابل، تفوز إيطاليا بعقود في مجال الطاقة، وتشدد حكومة طرابلس إجراءاتها الأمنية لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، عدا عن تنظيم دوريات بحرية مشتركة.
لا شك أن لغة المال أو الاقتصاد كانت العامل الأول لإطلاق هذه الصداقة وتفعيلها مع الوقت، نظراً إلى ازدياد الأهمية الحيوية للنفط الأفريقي، وارتفاع إنتاج ليبيا من الخام الأسود بنسبة 50 في المئة خلال الأعوام القليلة الماضية، ليصل سقف إنتاجها إلى مليوني برميل يومياً، مع توقعات بأن يصل إلى ثلاثة ملايين برميل قبل نهاية عام 2012.
ولم تنعم إيطاليا وحدها بالبركات النفطية الليبية، بل تصدّر الاتحاد الأوروبي قائمة التبادل التجاري مع ليبيا لعام 2009 بقيمة تجاوزت ثلاثة مليارات دينار ليبي (نحو 2.3 مليار دولار). حتى بدت ليبيا كمنقذ، وخصوصاً بالنسبة إلى إيطاليا، في ظل الأزمة الاقتصادية التي كان لها وقع الصاعقة على روما. فبلدة صغيرة مثل انترودوكو، التي واجهت أزمة اقتصادية حادة، لم تكن لتتخطاها إلا بعد استثمار ليبي فيها بلغ 19 مليون دولار.
وبدا ديرك فاندويل، الأستاذ في جامعة «دارتموث» في الولايات المتحدة الخبير في الشؤون الليبية، دقيقاً في وصف الحالة حين قال: «مفارقة أن ليبيا تساعد قرية صغيرة، فيما كانت قوة تستعمرها من قبل يعني الكثير بالنسبة إلى رأس مال القذافي السياسي في ليبيا».
المعادلة بسيطة. الصداقة على صلة بالحاجة الاقتصادية. الحاجة التي وضعت الرجلان في خانة التوأم اللذين فقدا الأم، فعاشا كـ«غريبين».
سعى القذافي إلى تعميق هذه الصداقة. زار روما في 29 آب الماضي للمرة الرابعة خلال عام، للاحتفال بالذكرى الثانية لتوقيع معاهدة الصداقة، مصطحباً خيمته و30 حصاناً جلبها معه للمشاركة في عرضٍ للفروسية. ولم يستثنِ «حارساته» من الرحلة. وفيما تجمّع الصحافيون ومصوّرو محطات التلفزة لدى دعوة القذافي مئات الفتيات للاستماع إليه وهو يتحدث عن ضرورة أسلمة أوروبا، لم يصدر عن برلوسكوني أي تعليق. وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها القذافي فتيات إيطاليات ليخبرهن عن الإسلام، ويهديهن نسخة عن القرآن ونسخة عن كتابه الأخضر. وهو يسعى دائماً إلى المقارنة بين ليبيا وأوروبا، فقال مثلا إن «ليبيا تحترم النساء أكثر مما تفعل الدول الغربية».
برلوسكوني لم يكترث لغضب الصحف الإيطالية والفاتيكان. كأنه كان مشدوهاً بزيّ صديقه، هو الذي كان قد أعرب عن إعجابه بـ«أناقته الاستثنائية». ففي إحدى المرات التي كان يرتدي فيها بزة ناصعة البياض ونظارة شمسية داكنة، قال رئيس الوزراء الإيطالي للزعيم الليبي «أرى أن أناقتك فاقت التصور».
قد لا يكون مستغرباً أن يتغاضى برلوسكوني عن أفعال القذافي، الذي بات يحتل موقع المنقذ المالي، لا لإيطاليا فحسب، بل لبرلوسكوني شخصيّاً. حين تراجع أداء نادي «ايه سي ميلان» لكرة القدم، الذي يملكه برلوسكوني ولم يعد يمثل استثماراً جيداً لعائلة الأخير، إضافة إلى ضرر نتائجه الرياضية على صورة رئيس الوزراء، أكدت صحيفة «لاريبوبليكا» أن رئيس الوزراء الإيطالي يود بيع النادي إلى الزعيم الليبي. وطلب معرفة مدى استعداد كل من البنك المركزي والمصرف الليبي الخارجي ومديرية شؤون الاستثمار في ليبيا لذلك.
في المقابل، وإضافة إلى المال، يُكرم القذافي صديقه معنوياً، بعدما أعلن السفير الليبي في روما، حافظ قدّور، استعداد بلاده لإصدار جوازات سفر جديدة عليها صور تجمع القذافي ورئيس الحكومة الإيطالي.
والقذافي، المعروف عنه انتقاداته الكثيرة للمسؤولين الغربيين، يتجاهل كل ما يُنشر عن برلوسكوني، ولا سيما فضائحه الجنسية، على غرار صوره مع نساء عاريات، والتي علّق عليها برلوسكوني بالقول: «هل كنتم تتوقعون أن نرتدي سترات وربطات عنق ونحن نستحمّ في الجاكوزي داخل منزلي الخاص؟»
ما إن يكتب اسم برلوسكوني أو القذافي في خانة البحث على الإنترنت، تنهال عليك مجموعة من الأخبار الغريبة. برلوسكوني مثلاً يستعدّ لإصدار ألبوم غنائي، وقد نصح النساء بالزواج برجال أغنياء مثله. القذافي يحمل خيمته إلى كل مكان، عاشق أيضاً للنساء، حتى إنه اختارهنّ لحراسته. إنهما توأم الغرابة أو الجنون.


استثمروا في إيطاليا

لم يكن وقع تقبيل رئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو برلوسكوني، يد الزعيم الليبي معمر القذافي، سهلاً على الإيطاليين. ونقلت وسائل الإعلام المرئية تعليقات العشرات من المواطنين الغاضبين، حتى إن بعضهم قال «كنت أظن أنني رأيت أبشع الأمور، لكنني أخطأت على ما يبدو».
لم يفهم الإيطاليون مغزى التقبيل؛ أهو اعتذار عن فترة الاستعمار أو امتنان للأموال أو تعبير عن صداقة؟ لكن الصور والتصريحات قد تشير إلى أن برلوسكوني تحول إلى تابع للقذافي. إحدى البدايات كانت مع تقبيل اليد، وصولاً إلى التبعية المادية. فالأخير شجّع «الليبيين الذين يملكون أموالاً على الاستثمار في إيطاليا، ومسموح لهم حتى بالبقاء فيها».
وأضاف القذافي «هناك شركات تدرّب غير المؤهّلين ليكونوا مؤهّلين للعمل في مرافق كثيرة في إيطاليا»، معتبراً أن هذه «الشركات يمكن أن تسهم في جلب الليبيين وتدريبهم، وهذا سيحلّ محلّ الهجرة غير المطلوبة من أفريقيا».