تحذيرات من نتائج تأخير الاتفاق على ترتيبات الاستفتاء جمانة فرحات
لم تعد «الحرب» مجرّد ذكرى تخطّاها السودان عندما وقّع اتفاقية السلام في عام 2005، بل عادت لتبرز كخيار مستقبلي يهدد البلاد مع اقتراب استفتاء تحديد مصير الجنوب المقرر في التاسع من كانون الثاني المقبل، وعدم حسم شريكي الحكم حتى اللحظة ترتيبات مرحلة ما بعد الاستفتاء، التي ستحمل معها في الغالب الانفصال.
ولم تتردد مصادر سودانيّة حكومية في إبداء تخوفها من عودة الحرب، في ظل تأخر التوصل إلى اتفاق على عدد من المسائل الخلافية المرتبطة مباشرة بمصالح الشريكين في حال قيام دولة جنوبية، وأخطرها قضية الحدود.
وتوضح المصادر أن الخلاف لا يتوقف فقط على ما بقي من حدود غير مرسّمة، وهي لا تتجاوز نسبة العشرين في المئة، بل تطال كذلك ما رُسم من حدود، نظراً إلى أن الخطر الأساسي يكمن في كون المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب هي معظمها مناطق مأهولة بالسكان.
وما جرى ترسيمه من حدود بات يفصل بين بيوت القرية الواحدة، وحتى العائلة الواحدة. وهو وضع يجعل وفقاً للمصادر من كل «متر مرسّم وصفة لحرب ضروس» في حال اختيار الجنوبيين للانفصال وقيام الحدود بين دولتين.
حرب يزيد من خطرها الصراع المتوقع بين القبائل، ولا سيما في منطقة أبيي الغنية بالنفط، التي يفترض أن تشهد بدورها استفتاءً لتختار تبعيّتها للجنوب أو الشمال. وتمثّل مشاركة قبيلة المسيرية في الاستفتاء معضلةٌ فشل حتى الآن شريكا الحكم، من خلال مفاوضاتهما المستمرة في أديس أبابا، في التوصل إلى تفاهم بشأنها. فالحركة الشعبية ترفض مشاركة القبيلة في الاستفتاء، على اعتبار أن أفرادها هم من الرحّل الذين لا يكونون في المنطقة، إلا ضمن مواسم محددة. أما حزب المؤتمر الوطني فموقفه حاسم في هذه القضية باعتباره أن تصويت المسيرية «خط أحمر» لن يتم التراجع عنه، ولا سيما بعدما رفضت الحركة الشعبية اقتراحاً سابقاً بتحويل أبيي إلى منطقة تكامل بين الشمال والجنوب.
وفي السياق، يرفض حزب المؤتمر الوطني الحاكم مقترحاً أميركياً يربط مشاركة أفراد قبيلة المسيرية في الاستفتاء بإثبات إقامتهم في المنطقة لمدة عام على الأقل. وإن كانت الحدود هي المشكلة الأكثر خطورة، إلاّ أن المصادر تتحدث عن مشكلة النفط الذي تمثّل عائداته مصدراً أساسياً لإيرادات حكومتي الشمال والجنوب.
وتلفت المصادر إلى أن الأمر يتخطّى تحديد ما إذا كان الجنوب سيستمر في تصدير نفطه في حال الانفصال من خلال الأراضي السودانية، والاتفاق حول الرسوم التي يجب عليه دفعها في هذه الحالة.
وتتحدث المصادر عن مسألة الاتفاقات، التي سبق أن وقّعتها الحكومة مع شركات التنقيب الأجنبية ومدى استعداد الجنوب للاعتراف بها. يضاف إلى ذلك، مسألة تكرير النفط على اعتبار أن مصانع التكرير موجودة في الشمال.
كذلك تبرز معضلة الاتفاق على حصص الشمال والجنوب من المياه نظراً إلى أن الانفصال سيؤدي حتماً إلى تراجع حصة الشمال المائية، وهو أمر أثبتت الحكومة السودانية من خلال وقوفها إلى جانب مصر في وجه دول منبع النيل أنه لا استعداد لديها للتنازل عمّا يضرّ بأمنها المائي. ووسط هذه المعوقات، لم يستطع المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية التوصل حتى هذه اللحظة إلى تعريف وتحديد هوية مواطني «الجنوب». وترفض المصادر الدخول في تفاصيل الخطوات التي ستقررها الحكومة بحق الجنوبيين المقيمين في الشمال، إذا ما اختار الجنوب الانفصال، وإن أوضحت أن الحكومة لن تقدم بالتأكيد على طرد الجنوبيين من الشمال بمجرد ظهور نتيجة الاستفتاء.

لا مانع من إرسال المجتمع الدولي شرطة دوليّة تشرف على إجراء الاستفتاء
كذلك تتحدث المصادر عن الرفض الحالي لاقتراح الحركة الشعبية لتحرير السودان بتطبيق الحريات الأربع، والمقصود بها منع حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك للشماليين والجنوبيين، مؤكدة أن الهدف من ذلك هو التوضيح للجنوبيين ما سيخسرونه في حال وقوع الانفصال.
وتتهم المصادر الحركة الشعبية بتعمد تأخير الاتفاق على هذه المسائل الخلافية لعدم السماح بحسم «هوية الجنوبي» قبل الاستفتاء، الذي تشكك بأنه سيجرى في أجواء نزيهة وشفافة، بعيداً عن ضغوط التيار المؤيد للانفصال في الحركة الشعبية. وفي السياق، لا ترى المصادر مانعاً من إرسال المجتمع الدولي شرطة دولية تشرف على إجراء الاستفتاء في الجنوب، وبما يؤمن عدم تدخل الجيش الشعبي في الجنوب.
كذلك، لا تبدي المصادر اطمئنانها إلى تولي قوات الشرطة في الجنوب تأمين تنظيم عملية الاستفتاء، لأنه من وجهة نظرها لا فرق بينها وبين الجيش الشعبي.


تحيّز أميركي

تؤدي الولايات المتحدة دور الوسيط حالياً بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان. إلا أن المصادر السودانية تؤكد أن الطرف الأميركي لا يقوم بدور الوسيط النزيه.
وتشير المصادر إلى مؤتمر نيويورك، الذي انعقد برئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما الشهر الماضي، بحضور ممثلين عن الطرفين، لتدلل على تحيز المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة للحركة الشعبية.
وتلفت إلى أن مسودة البيان الختامي للمؤتمر كانت تعكس هذا الأمر، ما حمل وفد الحكومة السودانية على إجراء اتصالات أدّت الى إدخال بعض التعديلات على المسودة.
وترى المصادر أن الثقة مفقودة بين الخرطوم وواشنطن، في وقتٍ أبدت فيه استخفافها بـ«قائمة الحوافز» التي عرضتها الولايات المتحدة على حكومة الشمال في حال تسهيلها الاستفتاء والاعتراف بنتائجه، على اعتبار أن هذه الوعود سبق أن سمعتها الحكومة السودانية إبان التوقيع على اتفاقية السلام في عام 2005، ولم تجد حتى اليوم طريقها إلى التنفيذ، فضلاً عما تعتبره المصادر من أن بعض هذه الحوافز من حق السودان لأنه يستوفي شروطها، وتحديداً في ما يتعلق بالدخول إلى منظمة التجارة الدولية أو خفض المؤسسات المالية الدولية لديونه.
أما مسألة رفع التمثيل الدبلوماسي الأميركي في الخرطوم، فلا تبدو ذات أهمية بالنسبة إلى المصادر، التي لا ترى أهمية في ما عرضته واشنطن من السماح باستيراد معدات زراعية من الولايات المتحدة، مشيرةً إلى أنها أصلاً غير مهتمة أو ملزمة بشرائها من الولايات المتحدة في وقت تعرض فيه بلدان أخرى منتجاتها بسعر أرخص، وتشتري الولايات المتحدة بنفسها هذه المعدات من بلدان أخرى.