بالحلال أو بالحرام، يريد رجب طيب أردوغان تشريع ارتداء الحجاب الإسلامي في الجامعات. حاول فعل ذلك بتعديل الدستور ففشل. حان وقت المحاولة بتشريعه عملياً، وليبقَ حظره القانوني قائماً، فالدستور المقبل... آتٍ
أرنست خوري
تعيش تركيا هذه الأيّام، أجواء تفاؤل على جبهتين ستكونان لولب انتخابات حزيران المقبل ومحرّكها. التفاؤل الأوّل كردي، والثاني هو الرغبة العامة في مواصلة مصالحة النموذج العلماني التركي مع الشعائر والعلامات الدينية الإسلامية، وحجاب المرأة على وجه التحديد. المساعي الحكومية القانونية على هذه الجبهة ليست جديدة، لكن معظمها باء بالفشل. ربما لذلك أدرك الفريق الحاكم أنّ أفضل طريقة لإمرار ما لا يمكن إمراره في الدستور والقوانين، يكمن في «الأمر الواقع». في عام 2008، شُغلت البلاد أشهراً طويلة بحملة الحكومة لإلغاء المادة العاشرة من الدستور التي تحظر على طالبات الجامعات الحكومية ارتداء الحجاب. نجح المسعى وصوّت البرلمان على السماح بارتدائه، قبل أن تعود المحكمة الدستورية وتطعن بالقرار وتعدّه غير دستوري. هكذا عاد كل شيء إلى المربع الأول، بمساعدة قرارات عديدة لمجلس شورى الدولة زكّت قرار المحكمة الدستورية الذي كسر قرار نواب الأمة.
مرّ عامان على هذه الواقعة. وفجأة، خرج رجب طيب أردوغان بعد التعديل الدستوري في 12 أيلول أقوى ممّا كان عليه، شاهراً سيف الدستور الجديد الذي سيطرحه على الاستفتاء الشعبي في حال فوز حزبه في الانتخابات التشريعية. على الفور، سارع الجميع إلى طرح موضوع قديم ـــــ جديد على الشارع التركي، وهو تحرير الحجاب في الجامعات، للوصول إلى توافق عام عليه، يكون أشبه بتسوية ترضي أنصار حرية المسلمات جزئياً، ولا تغضب أعداء كل ما يمتّ للمظاهر الدينية بصلة. المهم ألّا يقرّ الدستور الجديد حرية مطلقة في ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات والإدارات العامة والبرلمان والحكومة. حتّى زعيم حزب المعارضة، كمال كليتش دار أوغلو، طرح مشروعاً سمّاه «تسوية» لموضوع الحجاب، يقوم على السماح بارتداء الطراز الإيراني والباكستاني للحجاب الذي لا يغطّي رأس المرأة وشعرها بالكامل، لا النموذج التركي، أي «التربان»، الذي يشبه الحجاب الإسلامي الراديكالي. اقتراح يعوّل كليتش دار أوغلو عليه ليحقق له أصواتاً انتخابية ضائعة هو في أمسّ الحاجة إليها.
اقتراح لم يعد ذا فائدة كبيرة، بما أنّ «المجلس الأعلى للتعليم»، الهيئة الحكومية العليا المسؤولة عن كل شاردة وواردة تعلق بهذا القطاع، خرج بصيغة يحتمل أن تكون هي التسوية المطلوبة لموضوع الحجاب. ففي معرض ردّه على قضية رفعتها إليه كلية الطب في جامعة سراح باشا في إسطنبول، قال المجلس إنه «لا يحق لإدارة أي جامعة أن تطرد أي طالبة ترتدي الحجاب»، وفق قناة «أن تي في» التركية. فذلكة وصفتها صحيفة «حرييت» بأنها تكتيك لتشريع ارتداء الحجاب في الجامعات من دون إلغاء المادة العاشرة من الدستور، أي إبقاء النص القانوني من دون تطبيقه، على قاعدة استراتيجية «لا تسأل ولا تقل، افعل ما شئت» مثلما فعلت الإدارة الأميركية عام 1993 عندما شرّعت «عملياً» انتساب المثليين جنسياً إلى صفوف الجيش. ورجّحت «حرييت» نجاح هذا الحل بدعم من رئيس المحكمة الدستورية حازم كليتش، علماً بأنه حتى الآن، لم تخرج بعد أحزاب المعارضة وإعلامها ضد هذا القرار، ما قد يكون إشارة إلى إمكان تطبيقه واعتماده ريثما يقرّ الناخب التركي دستوراً جديداً يمحو من النصوص كل ما يتعلق بالقيود المفروضة على المظاهر الإسلامية في البلاد، ليصبح المسلم في تركيا «يتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها غير المسلم»، كما يحلو لأردوغان أن يكرّر.



قدّم زعيم المعارضة التركية كمال كليتش دار أوغلو (الصورة) مشروعه لحل أزمة الحجاب، من خلال تشريع ارتداء الطراز الإيراني والباكستاني (كالذي كانت ترتديه رئيسة الحكومة الباكستانية الراحلة بنازير بوتو)، لا «التربان» التركي الذي يغطي كامل رأس المرأة وشعرها