Strong>فتحت الولايات المتحدة النار على موقع «ويكيليكس»، ما قد يمهّد لإجراءات أخرى أقسى بحق مؤسسه جوليان أسانجكان متوقَّعاً أن يُحدث موقع «ويكيليكس»، بنشره وثائق سرية فضحت الدبلوماسية الأميركية، زلزالاً لن تنتهي تداعياته قريباً. لكن ما كان غير متوقع هو أن تصل درجة ارتباك المتضررين من السبق الصحافي لموقع جوليان أسانج إلى حد الجنون الحقيقي، وصلت بحكام الامبراطورية الأميركية إلى وصف إنجاز «ويكيليكس» بأنه «جريمة واعتداء وحرب عالمية على المجتمع الدولي...».
وانقسمت ردود الفعل العالمية إزاء الحدث إلى 4 فئات: واحدة لم تنف صحة الوثائق المنشورة، لكنها لم تجد سوى الشتيمة وردّ الاتهامات ضد الموقع الإلكتروني ومؤسسه الأوسترالي الذي قد يكون أصبح المطلوب الرقم واحد بالنسبة إلى واشنطن وحلفائها كما لأعدائها. فئة ثانية وصلت بها الأمور إلى نفي صحة الوثائق الرسمية، السعودية وإيران نموذجان. وثالثة تميّز رد فعلها بإطلاق استنفار دبلوماسي أميركي غير مسبوق، هدفه إصلاح ما يمكن إصلاحه على صعيد قوة وصدقية الدبلوماسية الأميركية التي تضررت بنحو «مدمِّر» على حد اعتراف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. أما رابع نوع من ردود الفعل، فقد انفردت فيه كل من الإكوادور وفنزويلا اللتين أعربتا عن إيجابية تجاه كشْف «ويكيليكس». كيتو من خلال عرض استضافة أسانج على أراضيها وتأمين الحماية له ولمنشوراته من دون شروط. وكراكاس بالاشادة بإنجاز الرجل ومتطوعي موقعه على الانترنت.
إذاً، أصبح مؤسس موقع «ويكيليكس»، «مجرماً» يقود «هجوماً على الأسرة الدولية»، ويتسبب بـ«انتهاكات خطيرة للقانون ويهدد بنحو خطير الذين يقودون السياسات الخارجية الأميركية ويساعدونها»، على حد تعبير كل من المتحدث باسم الرئاسة الاميركية روبرت غيبس ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. حتى أنه «عميل معاد لأميركا يداه ملطختان بالدماء» وفق المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي ساره بالين. كلام مغزاه واحد: لم يعد يبقى سوى التصفية الجسدية لأسانج. وربما لهذا السبب أعلن نائب وزير الخارجية الاكوادوري، كينتو لوكاس، أن بلاده مستعدة لاستقبال الأوسترالي أسانج «من دون أي مشكلة أو شرط ليتمكن من أن يعرض بحرية المعلومات التي يملكها وكل الوثائق». ومنذ يوم أمس، باشرت كلينتون، إضافة إلى جميع السفراء الأميركيين حملة استنفار دبلوماسي من خلال اتصالات ولقاءات مع زعماء ومسؤولين عالميين كشفت وثائق «ويكيليكس» مدى احتقار الإدارة الأميركية لهم، وحذرها منهم.
وبدأت الحملة باتصال أجرته وزيرة الخارجية الأميركية بنظيرها التركي أحمد داود أوغلو، الذي وصفه دبلوماسيون أميركيون في أنقرة بأنه رجل «بالغ الخطورة»، هو ورئيس حكومته رجب طيب أردوغان الذي نال حصته من الكلام الأميركي والإسرائيلي السلبي. ومن بين أكثر ما يلفت في ردود الفعل الأميركية، شبه اعتراف كلينتون بصحة المعلومات عن حصول طهران على صواريخ يمكن تزويدها برؤوس نووية من بيونغ يانغ. وقالت كلينتون إن «من يقرأ البرقيات الدبلوماسية يستخلص أن المخاوف المتعلقة بإيران مبنية على أسس ومتفق عليها إلى حدٍّ كبير، وستبقى الفكرة المهيمنة على السياسة التي نتبعها مع شركائنا، بهدف منع ايران من التزود بالسلاح النووي». وحدها السفيرة الاميركية في الامم المتحدة سوزان ريس استنتجت بأن الماكينة الدبلوماسية الأميركية ستخرج «أقوى» مما كانت عليه إثر الجدل حول وثائق «ويكيليكس». وفي القاهرة والكويت، حاولت السفيرتان الأميركيتان لدى البلدين مارغريت سكوبي وديبورا جونز التقليل من تأثير الوثائق السرية على العلاقات الاميركية مع هاتين الدولتين.
في المقابل، نفى القائم بأعمال السفارة السعودية في طهران، فؤاد القصاص، أن يكون الملك عبد الله بن العزيز قد طلب من واشنطن مهاجمة ايران. ونقلت وكالة «مهر» الإيرانية شبه الرسمية للأنباء، عن القصاص تأكيده أن هذا الكلام المنسوب للملك «لا أساس له من الصحة». وعن طلب خمس دول عربية هي الإمارات والبحرين والسعودية والاردن ومصر، من أميركا أن تهاجم ايران، أجاب الدبلوماسي السعودي بأن «هذه المواضيع ليس فيها شيء جديد يستدعي منا اتخاذ موقف رسمي»، مشيداً بالعلاقات الحالية بين بلاده وايران. ولم ينسَ وضع ما نشره موقع أسانج في خانة السعي لـ«إضعاف العلاقات الثنائية الايرانية ـــــ السعودية».
وعلى المنوال السعودي، رأى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية انور قرقاش أن تسريبات موقع ويكيليكس «تمثل وجهة نظر اميركية، وأن بعض ما تضمنته أخرج من سياقه الطبيعي». وقال، على هامش مؤتمر دولي للاستثمار في افغانستان عقد في دبي، «لا اعتقد أن هناك مجالاً ليكون عندنا تعليق معين على اي من هذه التسريبات». ورأى أن التسريبات «طاولت كل دول العالم وهي اساساً تعبّر عن وجهة نظر اميركية».
أما الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، الذي شُبه في إحدى الوثائق الأميركية بأدولف هتلر، فرأى أن المعلومات المسربة «لا قيمة لها»، لأنها «تندرج في إطار حرب معلومات أميركية ضد طهران».
(أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)