فضيحة العمولات تعود إلى الواجهة وتزيد من شرخ اليمينباريس ــ بسّام الطيارة
بات من المرجّح أن تأخذ التحقيقات الفرنسية في اعتداء كراتشي مجريات عديدة وتتفرع لتؤسّس لفضيحة كبرى يتوقع أكثر من مراقب أن تكون «فضيحة العهد»، وأن تترك أثراً عميقاً في اليمين الفرنسي. وصدقت تحذيرات عديدة صدرت منذ فتح التحقيق القضائي في مقتل 11 مهنّدساً فرنسيّاً في الانفجار الإرهابي أن «هذا الملف لن يموت»، لأن الضحايا هم «من نخبة المهندسين العاملين في مجال الصناعة الحربية»، والمتخرجين في أرقى المعاهد، إضافة إلى التأكّد من أن للاعتداء تفرعات تقود «عبر مسالك الفساد» إلى الطبقة السياسية، التي تنظر إليها النخب العليا الفرنسية نظرة ريبة مملوءة بالازدراء.
وأظهر التحقيق الأول، الذي فتح مباشرة بعد اعتداء كراتشي عام ٢٠٠٢، أن «تمنّع فرنسا عن دفع العمولات» التي أرفقت بالعقد هو وراء «انتقام المستفيدين» من الدولة الفرنسية. وتحدث البعض عن أن قسماً لا بأس به من هذه العمولات كان «يعود إلى فرنسا لتمويل حملة إدوار بالادور الانتخابية إلى سدة الرئاسة»، والتي كان يخوضها ضد جاك شيراك.
وفي عودة إلى الوراء، تبيّن أن شيراك، بعد انتصاره الرئاسي عام ١٩٩٥، قرر «تجفيف منابع تمويل خصومه»، فأوقف دفع العمولات.
التحقيق القضائي اهتم بملاحقة المستفيدين. ولأن العمولات، التي لم تكن ممنوعة، كانت محظورة على الرسميين الذين يملكون قرار إبرام العقود وتحديد الأسعار، وبالادور كان يومها رئيساً للوزراء ومرشحاً للرئاسة، أي إنه إذا ثبت أنه مستفيد يقع تحت جرم «التمويل السياسي». وقد ورد أيضاً مرات عدة اسم الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، الذي كان آنذاك وزيراً للمال، أي المسؤول الأول عن عقود مديرية الصناعات البحرية، ويمكن أن تطاله الفضيحة بسبب دوره في المعركة الانتخابية، حين كان الناطق الرسمي باسم بالادور وأحد مديري الحملة، وهو ما سبّب نزاعه مع شيراك.
وما يزيد من خطورة القضية أن اسم ساركوزي يظهر مرات عديدة في ملف التحقيق. ففي مطلع هذه السنة، كشفت شرطة اللوكسمبورغ عن «دور لساركوزي» في إنشاء شركة «هاين»، التي كانت مكلّفة بـ«توزيع العمولات»، ومن ضمنها عمولات صفقة «سواري ـــــ ٢» مع السعودية و«برافو» المتعلقة بطرادات تايوان، إلى جانب عقد «أغوستا» الباكستاني.
كذلك نشرت مجلة «نوفل أوبسرفاتور» في عددها الأخير نسخة عن «رسالة تهديد» وجهها المدعو جان ماري بوافان، الذي كان مسؤولاً عن هذه الشركة قبل أن يتوقف دفع العمولات، إلى مدير الأمن في مصرف باريس جاك فيليب مارسو. وأهمية هذه الرسالة أنها جاءت في ٤ كانون الأول عام ٢٠٠٦، أي بعد إعلان ساركوزي ترشيحه. ويذكر فيها أن ضابطي عدل من محكمة اللوكسمبورغ جاءا يطلبان بعض الملفات. ويشير إلى أنه اتصل بمدير الصناعات البحرية ليعلمه بالأمر، وكذلك بـ«ابن العم المحامي كلود أرنو»، ويضيف مباشرة «شريك المرشح»، في إشارة إلى شريك ساركوزي في مكتب المحاماة. وقد أكد مدير المبيعات في مديرية الصناعات البحرية جيرار فيليب مينياس أن المدعو بوافان «كان بحاجة ماسة إلى المال، وأن لعبة قوى كانت تحصل بينه وبين الدولة الفرنسية». كذلك وضع مينياس في يدي قاضي التحقيق رسالة تتعلق بـ«شخصين أرسلهما NS» طلبا التخلّص من أطر تسهيلات دفع العمولات غير القانونية. وأكد أمام القاضي أن «حرفَي NS يشيران إلى نيكولا ساركوزي».
وقبل عطلة نهاية الأسبوع، أعلنت العائلات أنها ستتقدم بدعوى ضد شيراك ودوفيلبان بتهمة «تعريض حياة الآخرين للخطر»، لأنها تشتبه في أن القرار الذي اتخذاه بوقف دفع عمولات، في إطار صفقة الغواصات لباكستان، هو الذي أدى إلى تنفيذ الاعتداء كعمل انتقامي. إلا أن دوفيلبان أكد أنه يريد الإدلاء بإفادته لقاضي الشؤون المالية رينو فان رويمبيك هذا الأسبوع، لأن شيراك اتخذ ذلك القرار بسبب «شبهات قوية جداً في وجود رشى يتقاضاها مسؤولون فرنسيون»، ما يعني وجود فساد، ومن مسؤولية الدولة وقف عمليات الفساد.
ويبدو أن العائلات اقتنعت بالأمر وقررت وقف الدعوى، ما عُدّ «تسجيل نقطة» لمصلحة دوفيلبان في صراعه مع ساركوزي. من جهته، فإن ساركوزي يتمتع بحصانة تحميه حتى خروجه من الإليزيه من التحقيق والاتهام، إلا أنه يمكن أن يدلي طوعاً بشهادته إن هو أراد ذلك. ورغم ترديده «أن الأمر لا يعنيه»، إلا أن هذه القضية الجديدة في عائلة اليمين الكبرى يمكن أن تسبب ضرراً كبيراً للأكثرية قبل سنة وقليل من الانتخابات الرئاسية، وخصوصاً أن ظروف تأليف الحكومة الجديدة مهّد لشرخ كبير داخل اليمين يشبه إلى حدّ كبير «أجواء نهاية عهد» جيسكار ديستان و«فضيحة الماس»، كما تذكّر به الصحافة هذه الأيام.