الزعماء حائرون: نواجه «حرب العملات»... لكن العلاج لن يكون سهلاً حسن شقراني
بعد يومين من النقاشات التي سادتها «مشاكسات حادّة»، حسبما أوردت التقارير الصحافية، انتهت قمّة مجموعة العشرين التي استضافتها العاصمة الكوريّة الجنوبيّة، سيول، بالتأكيد على التزام فضفاض بتأجيل حل النزاعات الاقتصادية الدوليّة حتّى عام 2011.
الزعماء، الذين تلاقوا في ظلّ أجواء متشنّجة ظهرت خلال التحضيرات المكثّفة للقمّة المرتقبة، انقسموا على أكثر من صعيد، في إطار صياغة حلول كميّة ونوعية لاختلالات النظام الاقتصادي العالمي حالياً: النفوذ ينتقل بثبات صوب البلدان النامية، فيما تئنّ بلدان كثيرة، وبينها الولايات المتّحدة، من قوّة الاقتصادات التي تتمتّع بميزات لافتة على صعيد التصدير.
والقضية هي، حسبما أصبح متداولاً، «حرب العملات»، وهي مجموعة الإجراءات والإجراءات المضادّة التي تعتمدها بلدان العالم لتكون سلعها أكثر تنافسيّة في النظام القائم المعولم: منها ما يسعى إلى جعل سعر صرف عملته مصطنعاً، مثلما تفعل الصين مع يوانها، لتصبح سلعه أرخص عالمياً، ومنها ما يواجه مدّ السلع الرخيصة والتنافسيّة بسياسات نقديّة مثيرة للجدل قد تصبح تدميريّة للاقتصادات المنافسة.
وبغياب التوافق، على أمل تحقّقه في قمّة العام المقبل، لم تجد المجموعة نفسها متماهية إلّا في تقديم «خطوط توجيهيّة دالّة» لتحسين المسارات الدوليّة القائمة، التي يقودها صندوق النقد الدولي تحديداً، صوب نموّ عالمي أكثر توازناً.
وهكذا اكتفى البيان الختامي للقمّة بالتشديد على أنّ تلك الخطوط العريضة المؤلّفة من مجموعة من المؤشّرات، «ستمثّل آليّة لتسهيل التحديد الزمني للاختلالات الكبيرة التي تتطلّب اتخاذ تدابير وقائيّة وتصحيحيّة» (ولكن لم يوضح أحدٌ مِن المعنيّين كيف ستعمل تلك المؤشّرات!).
فعندما تسجّل البلدان النامية معدّلات نموّ قياسيّة وتراكم الاحتياطات الأجنبيّة، فيما البلدان المتقدّمة تعاني ضعف تنافسيّة سلعها عالمياً، تنشأ مشكلة خطيرة تهدّد بزيادة اختلالات النظام القائم، وبأزمات قد تظهر بمختلف الأشكال.
وفي إطار التحضير لمسوّدات حلول للوضع القائم، اقترحت الولايات المتّحدة وبلدان أخرى بينها البلد المضيف، وضع حدود على فوائض الموازين التجاريّة التي تتمتّع بها بلدان ذات تنافسيّة سلعيّة عالية المستوى. غير أنّ هذا الاقتراح وُوجه برفض صيني وألماني حاد، فبرلين وبكين مرتاحتان لمجرى الأمور، فيما الضاغطون في هذا الاتجاه منزعجون. يمكن القول إنّ في صميم الصراع القائم، تكمن القضايا الأساسيّة الخاصّة بـ«كيف يجب أن تتصرف البلدان لتعيد هيكلة اقتصاداتها». وبحسب رئيس الوزراء الكندي، ستيفين هاربر، فإنّ معالجة تلك القضايا «لن تكون سهلة»، رغم أنّه شدّد، من باب الحرص على التفاهم، على أنّ «الجميع يتحدّثون اللغة نفسها، ويفهمون ما يجب فعله على المدى الطويل».
أمّا في تعليق الرئيس الأميركي باراك أوباما، فظهرت الصعوبات الكبيرة الخاصّة بهذه المسائل. فهو قال بعد القمّة إنّ «العمل الذي نقوم به هنا لن يظهر دائماً أنّه جذري. ولن يغيّر العالم مباشرةً. ولكن خطوة خطوة فإنّ ما نفعله هو بناء آليّات دوليّة أقوى ومؤسّسات تساعد على استقرار الاقتصاد (العالمي) وضمان النموّ الاقتصادي وخفض بعض التوتّر». وهنا بيت القصيد. فأن تتوقّع من قمّة العشرين بين «ليلة وضحاها»، على حدّ تعبير رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون، أن تصل إلى إعادة هيكلة النظام العالمي، مسألة مستحيلة. وذلك لسبب بسيط: الأمر يعني مكاسب للبعض، وأنّ هناك من سيسجّل خسائر في دفاتره. وحتّى الآن لا تبدو الولايات المتّحدة مستعدّة للرضوح للأمر الواقع، كما لا تبدو الصين متساهلة مع الهجوم على مسيرة نموّها من خلال الاعتماد على الطلب العالمي، إلى أن تتوصّل إلى مرحلة تعتمد فيها على طلب شعبها لكي تستمرّ شركاتها في الإنتاج والتصريف.
وإلى العام المقبل، موعد قمّة التغيير، ربّما مقارنةً بقمّة الفشل أو «الأمر الواقع» حالياً، سيبقى التوتّر سيّد الموقف. وهو التوتّر نفسه الذي قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنّه سبق بدء القمّة، الذي يعكس خوف جميع الأطراف من ازدياد حدّة حرب العملات، أو الحرب التجاريّة، التي بدت حتّى الآن زائفة.
وسيكتفي الزعماء حتّى موعدهم المقبل بالتأكيد، مثلما حصل أمس، على ضرورة أن تتوقف البلدان المختلفة عن ممارسات التلاعب بأسعار صرف عملاتها بهدف التنافس في الأسواق العالميّة، والحثّ على ضرورة اعتماد أسعار صرف تحدّدها السوق، وتحسين مرونة أسعار الصرف لتعكس أسس اقتصاداتها.
والدعوات هنا تمسّ الصين مباشرةً، التي يُقدّر بأنّ عملتها مقوّمة بأقلّ من سعر صرفها الحقيقي بنحو 40 في المئة، ما يمنح سلعها طابعاً مميزاً لناحية الطلب عليها. ولكن بكين تعي تماماً أنّ التنازل على هذا الصعيد (أي جعل سعر الصرف أكثر واقعيّاً) يتطلّب تنازلات مقابلة من جانب الغرب، وتحديداً الولايات المتّحدة، لناحية كيفيّة صياغة سياساتها النقديّة، أي ضخّ الدولارات لتغطية العجز الاقتصادي والمالي.