وثائق «ويكيليكس» لن تكون مختصة بالحروب الأميركية في الخارج، فالموقع يبشّر بكشف معطيات لدول حول العالم، قد تكون روسيا أوّلها
ربى أبو عمّو
يبدو أن عبارة «التحديث» التي ترافق الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف في تصريحاته وإطلالاته الإعلامية، وتداول بعض وسائل الإعلام لمصطلح «البريسترويكا الجديدة»، نسبة إلى آخر قادة الاتحاد السوفياتي، ميخائيل غورباتشوف، أو انفتاحه على المواقع الإلكترونية والتعليق الدائم على موقع «تويتر» الإلكتروني، لن تشفع لدولته في موقع «ويكيليكس»، الذي يستعدّ لنشر وثائق عن روسيا بعد كشفه نحو 400 ألف وثيقة سرية عن الحرب في العراق.
هذا ما أكده مؤسّس «ويكيليكس» جوليان أسانج، خلال مقابلة مع صحيفة «ازفستيا» الروسية، إذ قال: «لدينا معلومات حساسة عن روسيا، حكومتها ورجال أعمالها، لكن ليس بالقدر الكافي. سننشر هذه المواد في وقت قريب». وأضاف: «ساعدنا الأميركيون من خلال تقديم الكثير من المعلومات عن روسيا».

اسانج: لدينا معلومات حساسة عن روسيا وحكومتها ورجال أعمالها

على هذا النحو، يمكن روسيا أن تقسّم هذه الوثائق، لدى صدورها، إلى قسمين: الأول يتضمن معلومات الموقع الخاصة، والثاني الوثائق ذات البصمة الأميركية. وقد يتساءل الروس عن نيات واشنطن الحالية في ظل التعاون «الممتد» بينهما و«التنازل» الروسي في بعض الملفات، منها تعليق صفقة بيع طائرات «أس 300» لإيران، وتعاونها مع حلف شماليّ الأطلسي في أفغانستان، إلى حدّ «المشاركة» في حربٍ بلغت عمرها التاسع.
متحدث آخر باسم «ويكيليكس»، كريستين هرافنسون، رفض في مقابلة مع صحيفة «كوميرسانت» الروسية إعطاء تفاصيل عن الوقائع التي ينوي الموقع كشفها، مكتفياً بالقول: «سيكتشف الروس الكثير من الحقائق عن بلدهم»، مشيراً إلى أن الموقع «سيستهدف قريباً الأنظمة الاستبدادية في الصين وروسيا وآسيا الوسطى»، من خلال سلسلة وثائق جديدة.
وتعليقاً على إعلان «ويكيليكس»، وضع رئيس معهد الكرملين للاستراتيجية الوطنية، ستانيسلاف بلكوفسكي، يده على مكمن الخطر، قائلاً «إن كانوا (أي الموقع) ذاهبين إلى كشف تفاصيل الحسابات المصرفية السرية للنخبة الروسية في الخارج، فسيكون ذلك بمثابة صدمة»، موضحاً أن «معظم الروس يعتقدون بأن القادة السياسيين وغيرهم اختلسوا مليارات الدولارات ووضعوها في حسابات أجنبية، لكن حصولهم على إثبات قد يكون على غرار تأثير الديناميت».
عديدة هي الملفات التي قد يكشفها «ويكيليكس»، رغم أنه لم يحدّد الفترة الزمنية التي ستشملها الوثائق. لكن مشكلة مثل الفساد، التي يرجح أن تتطرق إليها الوثائق، تصلح لكل الأزمنة. صحيح أنه بات يجب على الرئيس والحكومة تقديم كشف مالي سنوي، إلا أن هذا لا يناقض احتمال تحويل أموال المسؤولين إلى مصارف خارجية.
وقد تتطرق الوثائق إلى الحرائق التي غطت العاصمة موسكو خلال الشهرين الماضيين، والحديث عن تقصير المسؤولين، فضلاً عن المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان ومنع التظاهرات والتضييق على الجمعيات، وإحكام السيطرة على وسائل الإعلام، وبالتالي الحد من حرية التعبير.
ومن الداخل إلى الخارج، قد تسلّط الوثائق الضوء على ما خفي من الحرب الروسية ـــــ الجورجية في صيف عام 2008، وتعليق صفقة «أس 300» مع إيران، وغياب الاستقرار الأمني في منطقة القوقاز، وكان آخرها الاعتداء على البرلمان الشيشاني.
إعلان «ويكيليكس» قد يطرح تساؤلات عن مدى تأثير هذه الوثائق على روسيا داخلياً وخارجياً، وإلى أي مدى ستفسح موسكو المجال لجدل داخلي.

كشف حسابات القادة السياسيين سيكون تأثيره كتأثير الديناميت

يقول كاتب مقال الشؤون الخارجية في صحيفة «كوميرسانت»، سيرغي ستروكان، إنه «لا يجب التوقع من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها السلطة نشر تقارير شاملة، على غرار وسائل الإعلام الغربية، عن وثائق ويكيليكس السرية». وأضاف: «ستلجأ وكالات الأنباء الروسية الكبرى إلى نشر بعض المعلومات من دون ذكر أي تفاصيل خطيرة»، مشيراً إلى أن «بعض الصحف المستقلة والمواقع الإلكترونية قد تطرح الوثائق السرية على طاولة البحث أو النقاش، لكن لن يكون هناك حوار وطني قد يؤدي إلى التغيير. فروسيا ليست من هذا النوع من البلدان».
لن تفعل الوثائق السرية، لدى صدورها، أكثر من إحراج السلطة الروسية أمام الرأي العام العالمي، على اعتبار أن المواطن الروسي سيكون بعيداً بعض الشيء عن مصدر المعلومات الأساسي، ولن يكون أمامه إلا استقاء المعلومات من وسائل الإعلام الروسية. إحراجٌ ليس من شأنه أن يؤثّر على إعادة تشغيل مفتاح العلاقات الأميركية ـــــ الروسية، رغم أنه قد يمثّل وسيلة ضغط. إلا أن روسيا ستعرف كيف تُدير الأمور لمصلحتها.