أزمة دستوريّة بأبعاد إثنيّة... وإجماع على إطاحة غباغبو
محمود مروّة
تعيش ساحل العاج حالاً من الاضطراب السياسي والأمني بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أثمرت «رئيسين»، أقدم كل من مكان إقامته على أداء اليمين الدستورية، بعد تمسّكهما بأحقيّة تقلّدهما زمام السلطة. فبعدما سجلت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في الواحد والثلاثين من تشرين الأول، خروج رئيس الجمهورية الأسبق، هنري كونان بيديي، تنافس كل من الرئيس المنتهية ولايته منذ عام 2005، لوران غباغبو، ورئيس الوزراء الأسبق، الحسن واتارا، في الجولة الثانية التي أقيمت نهاية الأسبوع الماضي.
وكان من المفترض أن تمر جولة الإعادة بهدوء، بعدما ألقيت على عاتق «لجنة الانتخابات المستقلة» مهمّة إعلان النتائج في مهلة أقصاها ثلاثة أيام، أي ليل الأربعاء الماضي، على أن يصدّق المجلس الدستوري عليها.
إلا أنّ الإشكالية وقعت عندما طلب غباغبو إلغاء نتائج بعض الدوائر، وتحديداً في شمال البلاد، معقل واتارا، بسبب «أعمال التزوير التي شابتها». أراد غباغبو من هذا الأمر إعاقة عمل اللجنة بهدف إمرار المهلة المحددة، ما يعني انتقال الصلاحية الى المجلس الدستوري الذي يترأسه حليفه، بول ياو اندري.
وبعدما تلقّت «اللجنة» دعماً دولياً غير مسبوق، تجاهل رئيسها يوسف باكايوكو انتهاء المهلة، الذي كان من المفترض أن ينهي دور اللجنة، وأعلن فوز المرشح الرئاسي الحسن واتارا، بعد حصوله على 54.1 في المئة من الأصوات مقابل 45.1 في المئة لرئيس البلاد.

غباغبو خطط لإعاقة عمل اللجنة الانتخابية ونقل الصلاحية إلى المجلس الدستوري

إلا أنّ الرد من غباغبو أتى سريعاً. وأعلن الجيش إقفال جميع الحدود، البرية والبحرية والجوية، وإيقاف بث جميع وسائل الإعلام الأجنبية، بعدما تعهد قائد الجيش في ساحل العاج الولاء لغباغبو.
من جهته، أعلن المجلس الدستوري، فوز غباغبو بحصوله على أكثر من 51 في المئة من الأصوات، كما أعلن إلغاء النتائج المؤقتة للجنة الانتخابية.
وما يزيد المشهد سوءاً هو تصاعد عمليات العنف، التي أدت الى مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، رغم حظر التجوال الذي فُرض قبيل الانتخابات، والذي مدّدت مهلته.
واللافت أن الانتخابات، التي تأجلت ست مرات منذ أن انتهت ولاية الرئيس عام 2005، كانت تهدف إلى إنهاء عقد من الأزمة السياسية والعسكرية بعد انقلاب الجنرال روبرت غايي على الرئيس بيديي أواخر عام 1999.
خلال هذه الفترة انقسمت ساحل العاج على نفسها، عام 2002، ولم تنته الأزمة إلّا بعد «اتفاق واغادوغو للسلام» (2007) الذي أقرّ بإقامة حكومة وحدة وطنية، برئاسة قائد القوات المتمردة في الشمال، غييوم سورو، وإجراء الانتخابات الرئاسية.
إضافةً إلى ذلك، يرى بعض المتابعين أنّ الشخصيّتين المتنافستين، غباغبو وواتارا، أضفتا بعداً خاصاً يظهر انقسام البلد بين الشمال والجنوب.
ففيما يمكن اعتبار مشاركة رئيس «الجبهة الشعبية الإيفوارية»، غباغبو، طبيعية، على اعتبار أنه رئيس البلاد ولا مشكلة بشأن «إيفواريته»، أعطت مشاركة رئيس «تجمع الجمهوريين»، واتارا، أبعاداً لها صلة بإشكالية تحديد «الجنسية الإيفوارية».
وفي هذا السياق، يرى العالم الاجتماعي «العاجي»، فرنسيس أكيندي، أن السلطة في ساحل العاج كانت قائمة على ما شرعنه الرئيس فيليكس هوفوي بوانيي، «أبو الاستقلال»، الذي توفي عام 1993.
وتقوم هذه الشرعية على مبدأ أن يكون الرئيس دائماً من «الإيفواريّين» الأصليين، وهم مجموعة من الفرق الإثنية في بلد ثلث سكانه من العاجيين غير الأصليين، وهم في الإجمال سكان الشمال، الذين يحصلون في المقابل على الأرض للزراعة.
وبحسب أكيندي، فإن البلاد لا تزال تعيش حتى اليوم مرحلة ما بعد بوانيي، إذ لم يستطع أيّ رئيس أن يعطي أبعاداً جديدة «للإيفوارية» كمفهوم قومي. وما يزيد الوضع سوءاً هو طريقة تدخّل القوات الأجنبية لحل المشاكل التي نشبت في العقد الأخير، على غرار ما قامت به القوات الفرنسيّة عام 2002، ما دفع إلى اتهام باريس بالعمل المباشر على تقسيم البلاد بين الشمال والجنوب.

خلاف على مفهوم «الإيفواريّة» بين أبناء البلد الأصليين والمهاجرين
وفي سياق صراع الهويّة، شكا المرشح الحسن واتارا، رئيس وزراء في عهد بوانيي من عام 1990 حتى رحيله، دائماً من عدم تمكّنه من إثبات أصله «الإيفواري». ولهذا السبب لم يستطع الترشح الى الانتخابات الرئاسية عامي 1995 و2000، ما يثبت أن الشماليين يعانون التفرقة.
لكن كان من اللافت توقيع واتارا عام 2002 في العاصمة الفرنسية اتفاقاً مع بيديي، وهو من الجنوبيين البَوْليين، للوقوف في وجه السلطة التي يمثلها لوران غباغبو، ما يضفي بعداً آخر على الصراع الناشئ اليوم تتداخل فيه مصالح سياسيين من الشمال والجنوب.
والاتفاق لا يزال قائماً حتى اليوم، إذ بعد خروج بيديي وبقاء واتارا، وعد الأخير أنه في حال فوزه في الجولة الثانية «سنعمل على توزيع عادل ومنصف للحقائب الوزارية، وهذا سيجري تحت سلطة الرئيس بيديي». وأضاف إنّ هذا التحالف مع بيديي «يمثّل حلاً سيغيّر حياة كل إيفواري». وهذا التقاسم للسلطة هو ضمن الإطار الأوسع لتحالف المعارضة، «تجمع الهوفويتيين للديموقراطية والسلام». ويضم التحالف أربعة من الأقطاب السياسيين في ساحل العاج: الرئيس الأسبق هنري كونان بيديي (الحزب الديموقراطي في ساحل العاج) رئيس الوزراء الأسبق الحسن واتارا، مرشح حزب «الوحدة من أجل الديموقراطية والسلام في ساحل العاج»، ألبير تواكوس مابري، ومرشح «حركة قوات المستقبل»، أناكي كوبينا.
ومع الاصطفاف الدولي وراء واتارا، المدعوم من باريس خصوصاً، يبدو واضحاً الإجماع الداخلي والخارجي على إطاحة غباغبو.


مبيكي يقود وساطة وفيما دانت كل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، التي تضم 15 بلداً أفريقياً، ومنظمة المؤتمر الإسلامي تنصيب غباغبو لنفسه، دعا الأمين العام لمنظمة الفرنكوفونية عبدو ضيوف «كل الأطراف السياسيين العاجيين» إلى الاعتراف بفوز واتارا المدعوم كذلك من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.
وفي مؤشر على القلق الذي تثيره الأزمة في الخارج، دعت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان لها، الأميركيين إلى تجنّب السفر إلى ساحل العاج حالياً بسبب «احتمال متزايد لحدوث اضطرابات سياسية وإمكان وقوع أعمال عنف».
(أ ف ب، رويترز)