Strong>الرئيس الفرنسي عرض إرسال قوّات إلى العراق وواشنطن مهتمّة بـ«إرثه اليهودي»لا بدّ من أن تترك المعلومات التي ساقتها وثائق «ويكيليكس» أثراً بالغاً، ليس فقط في العلاقات بين الدول، بل أيضاً بين المواطنين والحكّام الذين يستعملون اللغة المزدوجة تقول الشيء وعكسه، ما يسبب هذا التباعد بين الشعوب والطبقة السياسية

باريس ــ بسّام الطيارة
كشفت «منشورات ويكيليكس»، كما باتت تسمى في باريس، العديد من «الأسرار» الفرنسيّة، والعلاقة مع الولايات المتحدة، والتقويم الأميركي لمحاوريهم الفرنسيين، على غرار وصف الرئيس نيكولا ساركوزي بأنه «نزق متسلّط».
أفشت ويكيليكس أسرار «تفكير القيمين» على وضع السياسات الفرنسيّة، ومن هنا كان الانكباب على تحليلها والغوص في أعماقها، ولا سيما أنها تتناول عموماً شؤوناً داخلية أو علاقة فرنسا بالخارج، وخصوصاً مع الشرق الأوسط والدول العربية وصورة فرنسا في الخارج، عبر التقارير الأميركية عما «يهمس في آذان الدبلوماسية الأميركية عن المسؤول الفرنسي الأول» ساركوزي في الخارج. إحدى الوثائق السرية أظهرت أن ساركوزي أزعج بتصرفاته وأسلوبه مضيفيه السعوديين خلال أول زيارة له للمملكة «إذ ظهرت عليه علامات الضجر أثناء العرضة السعودية التقليدية ولم يكفّ عن إشغال نفسه بهاتفه المحمول وهو يقف إلى جانب الملك»، كما «تجنّب الاكل من الطعام المحلي» قبل أن «يروّج بفوقية للشركات الفرنسية».
وبحسب وثيقة حررتها سفارة واشنطن في الرياض، فإن المسؤولين السعوديين قالوا لدبلوماسيين اميركيين في كانون الثاني عام ٢٠٠٨ إنهم «انزعجوا من ساركوزي حتى قبل وصوله الى المملكة، إذ كان يرغب بأن يحضر معه صديقته حينها (زوجته حالياً) كارلا بروني، الأمر الذي لا يناسب أبداً التقاليد السعودية».
ساركوزي أزعج السعوديّين بضجره أثناء «العرضة» وترويجه بفوقيّة للشركات الفرنسية
وبحسب الوثائق الاميركية، فإن أخطاء ساركوزي كانت «بسيطة» بمضمونها لكن «مهمة نظراً الى الحساسيات السعودية». وتحدثوا عن انزعاج من طريقة «بيع ساركوزي للعقود الفرنسية»، إذ إنه «قدم لمضيفيه قائمة بـ١٤ صفقة ترغب شركات فرنسية بالحصول عليها، مع سعر العرض وسعر الحسم الذي يمكن أن يفاوض عليه». وقد جعل هذا التصرف بعض السعوديين «يتحسر على (الرئيس السابق جاك) شيراك».
وبحسب بعض البرقيات التي تتناول ساركوزي وعلاقته بالعالم العربي، وبعض منها نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية في عددها أمس، «أعلن ساركوزي قبل انتخابه رئيساً» أنه سيترتب على فرنسا والمجتمع الدولي أن «يساعدا الولايات المتحدة في معالجة الوضع في العراق، ربما عبر استبدال الجيش الأميركي بقوة دولية». وجاء هذا الوعد بإرسال جنود فرنسيين إلى العراق في حال انتخابه خلال لقاء مع وزير العدل الاميركي في عهد جورج بوش، ألبرتو غونزاليس. ونقلت بعض البرقيات عن الدبلوماسيين الاميركيين قولهم إن ساركوزي كان مناهضاً لاجتياح العراق عام ٢٠٠٣، إلا أنه «كان يخالف الموقف المعارض بشدة للعملية العسكرية الذي تبنّته حكومة شيراك»، مع أنه كان وزيراً للداخلية في تلك الحكومة. وفي برقية بتاريخ الأول من آب عام ٢٠٠٥، وصف ساركوزي، بصفته وزيراً للداخلية، أمام مستشار البيت الابيض للشؤون الاقتصادية آلان هابر، «استخدام شيراك و(رئيس وزرائه آنذاك دومينيك) دو فيلبان حق الفيتو في مجلس الأمن ضد الولايات المتحدة في شباط عام ٢٠٠٢ بأنه رد فعل غير مبرر ومبالغ فيه». وهو ما يبرر وصف التقارير لساركوزي بأنه «مؤيد للأميركيين بقوة»، وأنه «الأشدّ تأييداً للأميركيين منذ الحرب العالمية الثانية». وتصف برقية أخرى سياسة ساركوزي الجديدة بأنها «حلف لا اصطفاف». لكنها تلاحظ «تشدداً في معاملة إيران وروسيا مع إمكانية عودة فرنسا إلى الحلف الأطلسي»، وهو ما حصل فعلاً.
كذلك أبدى الأميركيون اهتماماً بـ«الإرث اليهودي» للرئيس الفرنسي، في إشارة الى جده لجهة والدته، وتساءلوا في برقية نشرتها «لوموند»، منذ بداية ولايته عن الانعكاسات المحتملة لذلك على «الميل التقليدي للعرب» في السياسة الفرنسية حيال الشرق الأوسط. وكتبت السفارة في إحدى البرقيات أن «من المعروف عن ساركوزي إرثه اليهودي وتأييده لإسرائيل»، ووصفت برنار كوشنير بأنه «أول وزير خارجية يهودي في الجمهورية الخامسة»، وأحد القلائل الذين أيّدوا غزو العراق. وقد انتقدت بعض البرقيات «بيروقراطية وزارة الخارجية الفرنسية» ووصفتها بـ«المحابية للعرب»، ونقلت عن مستعرب في الكي دورسيه قوله إن «سياسة فرنسا العربية أهم من ساركوزي وحكومته».
وفي تعليق على الوثائق، قال الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن نشر المراسلات الدبلوماسية أمر «غير مسؤول» ويمثّل «مساساً بسيادة الدول وانتهاكاً لسرية مراسلاتها». وسألت «الأخبار» فاليرو، خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي عما إذا كان «ينفي ما ورد على لسان الدبلوماسيين الأميركيين»، فأجاب «نحن لا نؤكد شيئاً من هذا الكلام المنسوب» إلا أنه لم ينفه مباشرة.
وكشف فاليرو عن وجود توجه في عدد من الدول لـ«التفكير في تجريم» بعض التصرفات على شبكة الإنترنيت. وأشار إلى أن هذا يذهب في اتجاه البحث عن «الجرائم الرقمية» التي لفرنسا دور كبير فيها.

(غداً: السياسة الفرنسيّة في الشرق الأوسط بعيون أميركيّة)