يقدّر غولدمان ساكس قيمة الاسترداد على سندات اليوروبوندز بين 16 سنتاً مقابل الدولار الواحد و20 سنتاً، أي ما يوازي ضعفين ونصف ضعف وثلاثة أضعاف ونصف ضعف أسعارها في السوق اليوم. لكن هذا الحساب يستند إلى معايير صندوق النقد الدولي اللازمة لاستدامة الدين التي تفترض أنه لا يمكن أن يكون الدين مستداماً إلا إذا كان أقلّ من 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا الأمر يتطلب قصّ، Haircut، نحو 80% من القيمة الاسمية لسندات اليوروبوندز. عملياً، من يحمل سندات يوروبوندز بقيمة مليون دولار، على سبيل المثال، سيخسر 800 ألف دولار في هذه العملية. أما من يريدون إعادة جدولة ديونهم والتفاوض مع الجهة المستدينة، فإن الفائدة على ما يمكن اعتباره «الدين الجديد» بعدما انخفضت قيمة السندات القديمة بنسبة 80%، ستكون 12%.

تداعيات الـ«Haircut» ستكون كبيرة على المصارف والمصرف المركزي. فالمصارف اللبنانية تسجّل ضمن أصولها في الميزانيات سندات بقيمة 5.18 مليارات دولار يقدّر أن تنخفض قيمتها بنسبة أدناها 80%. علماً أن المصارف قد اتخذت في السابق، بناءً على تعاميم صادرة من مصرف لبنان، مؤونات على سندات اليوروبوندز بنسبة 45%، ما يعني أن مبلغ الـ5.18 مليارات دولار هو ما تبقّى من القيمة الاسمية بعد قيام المصارف باقتطاع جزء من إيراداتها لتغطية خسائر متوقعة على هذه المحفظة. في نهاية 2020 كانت قيمة هذه المحفظة 9.34 مليارات دولار، مقارنة مع 13.8 مليار دولار في نهاية 2019، إلا أن قيمة هذه المحفظة انخفضت لسببين، أولهما قيام المصارف ببيع جزء منها للأجانب الذين يرون أنهم قد يحققون أرباحاً من قيمة الاسترداد المرتقبة، وثانيهما بسبب تغطية الخسائر المتوقعة بالمؤونات التي فرضها مصرف لبنان بتعاميمه. ففي التعميم 546 الصادر في آب 2020، قرّر مصرف لبنان أن تكون نسبة التغطية للخسائر المتوقعة على سندات اليوروبوندز 45%، لكنه في التعميم 649 الصادر في تشرين الثاني 2022، عدّل جدول النسب المطبقة لاحتساب الخسائر المتوقعة نظامياً لتصبح 75% على هذه السندات. وهنا يجب التمييز بين السندات التي تحملها المصارف للاستثمار وتلك التي تحملها من أجل المضاربة، إذ إن توقيت تسجيل الخسائر يختلف. وفي المجمل، إن انعكاس كل هذه العملية على المصارف، سيتفاوت بين مصرف وآخر. فبعض المصارف قد لا تتحمل اقتطاع بهذا الحجم، ما يدفعها إلى تسجيل خسائر كبيرة ربما ستكون غير قادرة على تغطيتها إلا من خلال إجراءات خاصة يفترض أن تتضمنها عملية إعادة الهيكلة، ولا سيما أن هناك خسائر أخرى لم تؤخذ في الاعتبار بعد، مثل الخسائر الناتجة من توظيفات المصارف بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان.
أما بالنسبة إلى مصرف لبنان، فهو لا يزال يحمل في ميزانيته سندات يوروبوندز بقيمة 5.03 مليارات دولار، أي أن لديه خسائر في ميزانيته أقلّها 4 مليارات دولار، إنما هذه الكلفة لا تُذكر مقارنة بمصدر الخسائر الكبرى في ميزانيته بسبب الوضعية السلبية للموجودات بالعملة الأجنبية، إذ يقدّرها صندوق النقد الدولي بنحو 80 مليار دولار.
لكن اللافت في تقرير غولدمان ساكس أنه لا يرى أن هناك حلاً قريباً، بل يشير إلى أنه «لا يلوح في الأفق حل قريب لأزمة التخلف عن السداد».
تعريف الـ«يوروبوندز»
بشكل عام، سند الدين هو أداة مالية أشبه بالعقد بين طرفين، دائن ومدين. يعطي الدائن من خلاله رأسمالاً محدداً للمدين. وفي المقابل يتعهّد المدين بإعادة المبلغ بعد مدّة من الزمن تُحَدَّد في العقد بالإضافة إلى دفعات هي عبارة عن فائدة سنوية تُقسّم عادةً على دفعة أو دفعتين سنوياً. الجهة التي تصدر هذه السندات(المدينة)، قد تكون من شركات القطاع الخاص، أو جهة عامة (وزارة مال، بلدية، مؤسسة عامة...). أما الجهة الدائنة فهي عادةً تكون جهة خاصّة مثل أفراد أو شركات الاستثمار الماليّة. وسندات الـ«يوروبوندز» هي أحد أنواع هذه السندات التي تصدرها الحكومات وهي مقوّمة بالدولار، ويُطلق عليها اسم يوروبوندز لأنها تُدرج في مؤسسات مالية في بورصات أوروبية (عادةً ما تكون بورصة لوكسمبورغ أو لندن)، لكنها ليست بالضرورة أن تكون مقوّمة باليورو، لكنها تخضع لقانون الدولة التي أُدرجت فيها.