في 21 كانون الثاني 2022 وجّهت إدارة الإحصاء المركزي رسالة إلى نقيب المحامين ناضر كسبار لإبلاغه بإنجاز «معدل التضخّم في السنة الماضية». وأشارت المديرة العامة للإحصاء المركزي، مرال توتاليان، في رسالتها إلى كسبار، إلى أن معدّل التضخّم السنوي بلغ في عام 2021 ما نسبته 154.8%، مقابل 84.9% في عام 2020 و2.9% في عام 2019.هذه الأرقام أثارت جدلاً متصلاً بما تعبّر عنه. فهل هي تعبّر عن تضخّم الأسعار؟ هل تعبّر عن غلاء المعيشة الذي يُفترض أن يُقرّ في لجنة المؤشّر من أجل تصحيح الأجور؟ أم أن هناك طريقة أخرى في احتساب المؤشّر لغاية تصحيح الأجور؟
قبل أي نقاش، لا بدّ من الإشارة إلى أن أرقام إدارة الإحصاء المركزي الواردة في مؤشّر الأسعار القياسية، تستند إلى أوزان لبنود الاستهلاك باتت غير واقعية ولم تعد معبّرة. فعلى سبيل المثال، ما زال الغذاء يمثّل 20% من مجمل استهلاك الأسر، بينما الواقع أن الغذاء صار يستحوذ على نسبة أعلى بكثير من سلّة استهلاك الأسر، وبالتالي فإن تصحيح الأوزان سيغيّر كثيراً في نسب التضخّم وبالتالي في النسب التي يجب اتباعها لتصحيح الأجور.
لكنّ السؤال الأساسي هو الآتي: هل يفترض أن يؤخذ بمعدل تضخّم الأسعار لتصحيح الأجور؟
الإجابة القطعية هي لا. فهذا المؤشّر يحتسب تضخّم الأسعار من خلال قياس التغيير بين كل شهر، وما يطرأ عليه من تغيير مقارنة مع الشهر الذي يماثله في السنة السابقة. وبعد احتساب معدلات الأشهر لكل السنة، يتم جمعها ثم قسمتها على 12 شهراً ليصدر معدل التضخّم السنوي.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

في الواقع، إن هذا المعدل السنوي لا يتضمن كل تطوّرات الأسعار في داخله، بل يختزلها ويقتطع منها ويقلّصها بحدود كبيرة، وإن كان يعبّر عن ارتفاع في الأكلاف التي تدفعها الأسر ولكنه لا يحدّدها بشكل دقيق. فالطريقة الأدقّ في التعبير عما حصل من تطورات للأسعار، هي الأرقام التي لا تنشرها بشكل واضح إدارة الإحصاء المركزي، إنما تضمّنها في بعض ملفاتها المنشورة على الموقع الإلكتروني. فهي تقرّ بأن هناك تضخّماً تراكمياً في الأسعار وأنها وضعته بهدف «إبراز تأثير الأزمة على الأسعار التي يدفعها المستهلكون، وأن الأسعار تضخّمت من كانون الأول 2019 ولغاية تشرين الأول 2021 بنسبة 562%» لكنها تفترض أنه فقط «لغايات تحليلية».
إذاً، ما المقصود بالغايات التحليلية للتضخّم التراكمي؟ كلام لا معنى له. فالتحليل الذي لا يعود بأي نتيجة، لا ضرورة له أصلاً ولا داعيَ لوجوده. المسألة ليست للتسلية، بل هي تتعلق بقدرات المجتمع والتطورات التي تصيبه. ورغم ذلك، تقول الإدارة الآتي: معدل التضخّم الرسمي في لبنان هو التغيّر لمدة 12 شهراً، وهو التغيير بين الشهر الحالي والشهر نفسه من العام السابق.
لا يمكن وصف كلام الإدارة إلا بأنه يعبّر عن قوى السلطة التي تشارك رأس المال في الحكم. فالتضخّم يقاس كمعدّل شهري لأسباب محدّدة موضوعية تتعلق بوجود مواسم ولقراءة التطوّر على المدى القصير جداً (الشهري)، ومعدّل التضخّم في نهاية السنة هو معدّل وسطي لكل هذه التطوّرات، ولا يصلح لمقارنة غلاء الأسعار التراكمي ضمن فترة محدّدة مثل فترة الأزمة التي لحقت بلبنان منذ عام 2019 ولغاية اليوم.
إذاً، لنأخذ مثالاً عن تضخم الأسعار كما احتُسب لغاية إظهار التراكم: في نهاية 2019 بلغ مؤشر إدارة الإحصاء المركزي ما مجموعه 115، وفي نهاية 2021 بلغ المؤشر ما مجموعه 921. هذا يعني، أنه إذا كان سعر سلعة ما 115 ألف ليرة في نهاية 2019، فإن سعرها في نهاية 2021 أصبح 921 ألف ليرة، أي تضاعف سعرها نحو سبع مرات.
الفرق بين هذه الطريقة في احتساب نفس الأرقام الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، أن طريقة معدل التضخّم يمكن اعتمادها من أجل تصحيح الأجور في حالة وحيدة: أن يتم تصحيح الأجور بشكل شهري. ما عدا ذلك، لا يجوز اعتبار أن تضخّم الأسعار هو عبارة عن متوسط أو معدل سنوي.