هل يعبّر ارتفاع عدد وقيمة عمليات انتقال ملكية العقارات في لبنان عن انتعاش أم نكسة؟ صحيح أن عدد عمليات نقل الملكية ازداد بنسبة كبيرة، إلا أن هذا المؤشّر يعبّر عن النتائج بشكل لا يتناسب مع حقيقة ما يحصل. فالعمليات التي حصلت في الأشهر العشرين الأخيرة، كانت مموّلة بـ«المدّخرات» وهو أمر يندر أن يحصل عندما يكون حافز المبيعات بهدف السكن أو الاستثمار. استعمال المدّخرات في ظل الانهيار الحاصل ليس أمراً عادياً، بل يأتي مدفوعاً بحافز «تهريب» الودائع من المصارف لإنقاذها. هذا هو المحرّك الرئيسي لعمليات انتقال الملكية التي نشهدها حالياً في السوق.في العادة تكون عمليات انتقال الملكية محفّزة بهدف السكن أو الاستثمار؛
إذا كان السكن هو الهدف، فهذا يعني أن الشقق المبيعة في السوق لن تكون شاغرة خلافاً للواقع الحالي، إذ تشير تقديرات وسطاء عقاريين إلى أن النسبة الكُبرى من الشقق المبيعة في بيروت وجبل لبنان بقيت شاغرة رغم انتقال ملكيتها. ويأتي ذلك بعد شغور كان يُقدّر في عام 2019 بأكثر من 100 ألف شقّة في بيروت وحدها.
أما إذا كان الاستثمار هو الهدف من عمليات انتقال الملكية، فإن ذلك سيكون مدفوعاً بتوقّعات متّصلة بارتفاع الأسعار مستقبلاً. لكن السوق مشوبة بانعدام اليقين وسط توقعات بانحسار المبيعات في الفترة المقبلة وانخفاض الأسعار أكثر من الانخفاضات التي حصلت لغاية اليوم.
أما أسعار المبيعات العقارية، فهي لا تعبّر عن انتعاش بمقدار ما تعبّر عن انتكاسة. فمنذ انهيار العملة اللبنانية وتعدّدية أسعار الصرف، انخفضت الأسعار بشكل واضح للعيان بأكثر من الثلث، وذلك من خلال تسعيرها بالشيكات المصرفية بالدولار، رغم أن كل دولار شيك مصرفي قيمته باتت أقلّ بنحو 75% من قيمة الدولار النقدي.
في الواقع، إن تعدّد أسعار الصرف أتاح لتجار العقارات التكيّف مع طلب مصدره المودعون. وقد استفاد تجار العقارات من هذا الطلب من أجل تسديد ديونهم المصرفية، فباعوا عقاراتهم بدولارات مصرفية تبلغ قيمة الواحد منها نحو 3900 ليرة، وسدّدوا الأقساط المتوجبة عليهم للمصارف على أساس 1520 ليرة، أي أن كل دولار مقبوض بواسطة الشيكات المصرفية أتاح لهم تسديد 2.5 دولار من الدين. هكذا انتقلت مخاطر امتلاك العقارات من التجار إلى الأفراد. وسيواجه مالكو العقارات مشكلة حقيقية في الفترة المقبلة تكمن في أرجحية انحسار الطلب على العقارات مستقبلاً وزيادة عرض الشقق للإيجار. لذا، ستكون هذه الشقق أمام الاحتمالات التالية:
- تأجيرها وسط منافسة كبيرة في السوق بسبب وجود شقق شاغرة كثيرة معروضة للإيجار، وبالتالي ستكون قيمة الإيجارات تنافسية ولن يكون بالإمكان تحصيل عائد مناسب عليها. بحسب عاملين في تجارة العقارات، كان إيجار الشقّة يصل سنوياً إلى 5% من قيمتها، إلا أنه انخفض إلى ما دون الـ2%.
- سيكون صعباً تسييل الشقق في الفترة المقبلة، وخصوصاً في ظل توقعات انخفاض الأسعار ووجود عدد كبير من الشقق الشاغرة في بيروت وجبل لبنان.
- شغور الشقق لفترة طويلة، ما يعني عدم تحصيل أي عائد عليها وتدهور قيمتها بمرور الزمن.
- إن استمرار تعددية أسعار الصرف خلال الأشهر المقبلة يعيق عملية تسعير الشقق بشكل مستقرّ في السوق. ففي الفترة الماضية كان التسعير بواسطة الشيكات المصرفية مقبولاً، إلا أن هذه الموجة انحسرت أخيراً ليحلّ محلّها التسعير بواسطة الدولار النقدي من دون أن تكون هناك عمليات كبيرة جارية.
إذاً، هل تكون عمليات انتقال الملكية التي بدأت في السنة الماضية واستمرّت لغاية اليوم، هي انتعاشة في القطاع العقاري كما يحاول أن يصفها تجار العقارات؟ التجّار سيقدّمون التفسيرات التي تنسجم مع مصالحهم، حتى إن بعضهم يحاول الترويج لارتفاع الأسعار مستقبلاً آملاً بذلك أن يخلق نمطاً وهمياً من الارتفاع الذي يؤدي إلى بيع ما تبقّى من عقارات لديه وتسديد ديونه في المقابل، لكن ما لا يدركه أصحاب المدّخرات العالقة في المصارف، أن الهروب من إفلاس المصارف نحو العقارات قد يكون خياراً خاطئاً في كثير من الأحيان، لأنه في الفترة المقبلة يُرجح أن تنخفض قيمة العقارات المشتراة بواسطة شيكات مصرفية بالدولار، تزامناً مع انخفاض قيمة الدولار المصرفي أو ما يُسمى الدولار اللبناني. فالأصول المحليّة تتماهى مع قيمة الليرة، أما ما يماثلها وفي هذه الحالة فهو الدولار اللبناني، وهي لا يمكن أن تتماهى، على الأقل في المستقبل القريب، مع قيمة الدولار النقدي الذي لا تزال السيطرة على ارتفاعاته تصعب.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام