ليس هناك مبرّر واضح لارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية سوى بأنّه أتى نتيجة تلاعب صناديق التحوّط بالأسعار، فضلاً عن تقلّبات بعض أسعار السلع نتيجة أمور طارئة. هذا ما أثاره مقال منشور في Business Line أعدّه شاندراسيخار وجاياتي غوش. فالأسعار بلغت أدنى مستوياتها في منتصف عام 2020، ثم ارتفعت بشكل مفاجئ وسريع في النصف الثاني من السنة الماضية بسبب انتشار جائحة كورونا وما فرضته من انقطاع في الإمدادات ومعوّقات في حركة النقل العالمية. لكنّ المثير للاستغراب هو أنه في فترة ارتفاع الأسعار، لم يكن هناك مبرّر واضح في ظل وجود مخزون كافٍ من المحاصيل الغذائية للسنوات الماضية. صحيح أن الأحوال المناخية أثّرت سلباً على الإنتاج في بعض الدول مثل الأرجنتين والبرازيل وأوكرانيا، إلا أن ذلك ليس كافياً لتفسير هذاالارتفاع الكبير في الأسعار.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

برأي شاندراسيخار وغوش، هناك طرق أخرى قد تؤثّر على توازن العرض والطلب في السوق، ومنها:
- التخزين الذي تمارسه الدول والأفراد خوفاً من أن تؤدّي موجة جديدة من الوباء إلى تعطيل سلاسل التوريد مجدداً. فمثلاً، تعيد الدول المستوردة للحبوب مثل الصين ومصر والفليبين والجزائر والمغرب، إعادة تكوين احتياطاتها المستُنفدَة خلال الموجة الأولى من الوباء. فالصين بشكل خاص، لجأت إلى الاستيراد بشكل كبير بعد أن حرّرت في شهر أيار 2020 جزءاً مهماً من مخزوناتها الاستراتيجية للحدّ من الارتفاع في أسعار الحبوب. كما لجأت إلى استيراد الصويا، وهو مكوّن مهم في علف الماشية نظراً إلى حاجتها إلى زيادة أعداد قطعان الخنازير التي تقلّصت بعد تفشّي حمّى الخنازير الأفريقية. ولمواجهة هذا الطلب المتزايد، فرضت بعض الدول المصدّرة للحبوب، مثل روسيا وفيتنام، قيوداً على صادرات السلع الزراعية مثل القمح والأرز، بهدف دعم الطلب المحلي.
- ارتفاع أكلاف النقل. فقد أفاد مجلس الحبوب الدولي أن المستويات الحالية لرسوم شحن الحبوب والبذور الزيتية أعلى مما كانت عليه في جميع الأشهر منذ تشرين الأول من عام 2019.
- إن التأثير الذي أحدثته الزيادة في التخزين وفرض القيود على الإمدادات الفعلية للأسواق شجّع المضاربين مثل صناديق التحوّط على اللعب في سوق الغذاء العالمية بحثاً عن عائدات مرتفعة. ففي 1 آذار 2021، أفاد «ساكسو بنك» بأن صافي عقود الشراء التي تحتفظ بها صناديق التحوّط، عبر عقود 24 سلعة أساسية، بلغ مستوى قياسياً هو 2.7 مليون عقد بقيمة إجمالية تبلغ 144.4 مليار دولار.
عقود الشراء هي عمليات شراء الأصول الأساسية التي تتم توقّعاً لارتفاع الأسعار. أما عقود البيع (short position)، فهي تعكس التزاماً بالبيع بسعر محدّد حتى إذا كان البائع لا يمتلك السلعة، لكنه يتوقع انخفاض سعرها إلى أقلّ من المستوى الذي تفاوض عليه. صافي عقود الشراء هو الفرق بين كمية عقود الشراء وكمية عقود البيع. لذا، عندما يسجّل صافي عقود الشراء فائضاً، فهذا يعني أن المستثمرين يُظهرون ميلاً لشراء السلع توقعاً منهم لارتفاع الأسعار. هذا التوجّه نحو المضاربة كان مدفوعاً بتوافر التمويل الزهيد الكلفة، ونتيجة سياسات نقدية نفّذتها المصارف المركزية حول العالم قضت بضخّ كميات هائلة من السيولة في اقتصاداتها على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحفيز الاستهلاك والاستثمار.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام