أظهرت إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن عدد الأجراء المصرّح عنهم للصندوق تراجع في نهاية 2020 بأكثر من 39 ألف مضمون أو ما نسبته 7% من بينهم 70% ذكور و30% نساء. هؤلاء يمثّلون صافي حركة الاستخدام والترك التي أظهرت خروج هؤلاء من سوق العمل خلال السنة الماضية. على مدى العقود الماضية كان صافي هذه الحركة ينتج فائضاً لمصلحة الاستخدام على حساب الترك من العمل، إلا أن مسارها تباطأ في عام 2019، ثم انقلب إلى السالب في عام 2020 وباتت حركة الترك تفوق حركة الاستخدام. بمعنى آخر، إن عدد الأجراء الذين فقدوا وظائفهم أكبر بكثير. فحركة الاستخدام كانت تمثّل 121% من حركة الترك في عام 2017، لكنها بدأت تسجّل تراجعاً إلى 111% في عام 2018، ثم 99% في عام 2019 و58% في النصف الأول من 2020 وصولاً إلى 52% في نهاية 2020. باختصار، باتت حركة ترك العمل تعادل ضعف حركة الاستخدام. وبحسب إحصاءات مصدرها صندوق الضمان الاجتماعي، فإن عدد تاركي العمل بلغ في عام 2020 نحو 74 ألف أجير، من ضمنهم أكثر من 55 ألف أجير لم يتسجّلوا مرّة ثانية، أي إنهم فقدوا وظائفهم بشكل نهائي.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

هذا التدهور انعكس على حركة الانتساب إلى فرعَي «ضمان المتقاعدين» و«الضمان الاختياري». ففي مقابل التراجع في عدد الأجراء، زاد عدد المسجّلين في فرع المتقاعدين بنسبة 56%، وزاد عدد المسجّلين في فرع الضمان الاختياري بنسبة 38%. في المجمل أضيف إلى هذين الفرعين نحو 9 آلاف شخص. وكان لافتاً تطوّر عدد المنتسبين إلى هذين الفرعين ونموّه باطّراد منذ عام 2017. فقد ازداد عدد المنتسبين إلى فرع المتقاعدين من 2980 في عام 2018، إلى 3376 في عام 2019 ثم 4386 في عام 2020. كذلك في فرع الضمان الاختياري زاد العدد في عام 2018 بنحو 1058، وسجّل في السنة التالية زيادة 2493، وفي عام 2020 زاد العدد بنحو 4679. النسبة الكبيرة من المنتسبين إلى هذين الفرعين هي من كبار السن أو الذين لديهم حالات مرضية أو أسر كبيرة لإعالتها، وبالتالي سينتج عن هذه الزيادة المطّردة التي يتوقع أن تتسارع وتيرتها في الأشهر المقبلة، أعباء أكبر على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. هذه الأعباء ستُثقل كاهل فرض ضمان المرض والأمومة المشبع أصلاً بالديون المسحوبة من فرع تعويضات نهاية الخدمة والفواتير المتراكمة غير المصفّاة. من اللافت أن عدد المنتسبين إلى صندوقَي المتقاعدين والضمان الاختياري يمثّل 23% من التراجع في زيادة الأجراء.
هذه الشرائح التي انضمت إلى فرعَي المتقاعدين والضمان الاختياري، سواء أكانوا بحكم المتقاعدين بعد بلوغهم الـ64 سنة، أم انتسبوا إلى الضمان قبل بلوغ هذه السن، لديهم همّ مشترك يتعلق بالحصول على التغطية الصحيّة لهم ولأسرهم. هؤلاء يمثّلون إحدى مجموعات شرائح المجتمع الضعيفة والهشّة، لكنهم ليسوا الأكثر هشاشة أو الأكثر فقراً. قدرة هؤلاء على الانتساب إلى الصندوق، تفوق قدرة أولئك الذين يعملون في القطاع غير الرسمي ولا يصرّح عنهم للضمان الاجتماعي. هؤلاء لا نعلم عنهم شيئاً بعد ولا عن مدى تدهور أحوالهم المعيشية. الأرجح أن نسبة كبيرة منهم فقدوا وظائفهم وباتوا بلا أي تغطية صحية باستثناء تلك التي تقدّمها وزارة الصحة على الطريقة الزبائنية.
التراجع في عدد المضمونين يعكس جزئياً الانهيار الحاصل في الوظائف والعمل. ففي السنة الماضية شهد لبنان انهياراً اقتصادياً - نقدياً - مالياً، فيما دفعت جائحة «كورونا» البلاد نحو إقفال متكرّر، وجاء انفجار مرفأ بيروت... كل هذه العوامل السلبية لم تتكشّف تداعياتها النهائية بعد، سواء في إقفال مؤسسات أو صرف الأجراء. فهناك الكثير من المؤسّسات التي امتنعت عن الصرف الكلّي لأجرائها في بداية الانهيار، بل عرضت عليهم العمل بدوام جزئي، أو براتب مخفّض آملة أن يتحسّن الوضع خلال أشهر. لكن بمرور الوقت، وتكرار الإقفالات، وارتفاع سعر الصرف إلى نحو 9000 ليرة مقابل الدولار الواحد، يُرجح أن تأخذ المؤسّسات قرارات حاسمة باستمراريتها بعدد محدود من الأجراء، أو بالإقفال. وهذا سيُترجم مباشرة بصرف أكبر للأجراء، وبتقلّص عدد المؤسسات، وبالتالي انكماش حجم الاقتصاد والمفاعيل السلبية التي سيتركها ذلك على القطاعات. سيظهر الأمر بوضوح في القطاعات النظامية، لكنه سيكون مكتوماً في القطاعات التي تستقبل عمالة موسمية لا تصرّح عنها أو القطاعات التي تعمل بشكل غير نظامي.
ما سيظهر بوضوح في الفترة المقبلة، هو أن انهيار بنية العمل في لبنان سينعكس مباشرة على معدلات البطالة والهجرة. البطالة ستضرب معدلات قياسية (ولو أن لبنان ليست لديه إحصاءات دقيقة ودورية عن البطالة) وخصوصاً في الاقتصاد غير النظامي، والهجرة ستكون سبيل شريحة اليد العاملة الماهرة والمتعلّمة التي فقدت الأمل والثقة.

تابع حساب «رأس المال» على إنستغرام هنا

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا