الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي تشير إلى أنه بات يُعتمد متوسطٌ لسعر صرف الدولار في لبنان بقيمة 6000 ليرة، ما يعني أن حجم الخسائر سيختلف وتوزيعها أيضاً سيتغيّر في ظل المؤشرات المعيارية التي يعتمدها الصندوق من أجل وضع الدين العام على مسار الاستدامة والقدرة على خدمته.حتى الآن لم يصدر رقم رسمي عن متوسط سعر الصرف الفعلي في لبنان، لا من مصرف لبنان المعنيّ الأول بهذا الأمر، ولا من الجهات المراقبة الخارجية. لكن ظهرت في التقديرات الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي، بضعة مؤشرات من بينها النموّ الاقتصادي وحجم الناتج المحلي الإجمالي... تفكيك هذه الأرقام وإعادتها إلى ما كانت عليه في السنة السابقة بعد تنزيل معدلات الانكماش في الناتج، أظهر أن الصندوق أعاد تسعير قيمة الناتج المحلي تبعاً لسعر صرف مختلف عن السعر الوسطي المعتمد خلال السنوات الماضية (كان 1507.5 ليرات وسطياً)، أي احتسب الناتج على أساس سعر صرف يوازي 6000 ليرة مقابل الدولار وانخفض من 52.5 ملياراً إلى 18.7 مليار دولار مترافقاً مع تضخّم في الأسعار بمعدل 85.5% وتراجع في الناتج الفردي من 7660 دولاراً إلى 2740 دولاراً، بالإضافة إلى عجز في الحساب الجاري بقيمة 3 مليارات دولار.


وفي حال اعتُمد هذا الرقم بشكل رسمي من الصندوق نفسه، علماً بأن هناك معطيات تشير إلى أن الصندوق لم يحسم قراره بهذا الشأن بعد ولهذا هو متردّد في الإقرار باعتماد سعر الصرف يساوي 6000 ليرة مقابل الدولار، فإن التعاطي مع مسألة تحديد الخسائر وتوزيعها، يصبح أمراً مختلفاً. فمن أهمّ المؤشرات المعيارية التي يتعامل معها الصندوق باعتبارها أساسية في أي عملية لإعادة هيكلة دين بلد ما، هي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والتي لا يجب أن تكون أعلى من 100%، بل يجب أن تكون أقلّ. المحبّذ أن تكون 80%. فالصندوق يرى أن هذا المؤشّر هو الأساسي من أجل التعامل مع استدامة الدين وقدرة الدولة المعنيّة على الاستمرار في خدمته.
إذاً، ماذا تعني إعادة احتساب الدين على أساس سعر صرف يوازي 6000 ليرة نسبة إلى الناتج؟
في السنة الماضية، كانت نسبة الدين إلى الناتج تصل إلى 175.6% بحسب ما ورد في خطّة التعافي الحكومية التي أنجزتها الحكومة بالتعاون مع «لازار» وبالتشاور من تحت الطاولة مع صندوق النقد الدولي. كانت الخطّة تشير إلى أن نسبة الدين إلى الناتج ستتراجع تدريجياً إلى 102% في عام 2020 وصولاً إلى 99.2% في عام 2024. وبموازاة ذلك، سيرتفع سعر صرف الدولار من 1507.5 ليرات وسطياً إلى 3500 ليرة في عام 2020 و4082 ليرة في عام 2023 و4297 ليرة في عام 2024. طبعاً هذا الأمر محتسب على أساس اقتطاع بنسبة 75% على سندات اليوروبوندز، و40% على سندات الليرة اللبنانية، فضلاً عن مجموعة مؤشرات أخرى محتسبة من أجل تصحيح ميزان المدفوعات (تصحيح الحساب الجاري بشكل أساسي)، ودراسة قابلية الإيرادات والنفقات الحكومية من أجل الاستمرار في تمويل العجز.
في ذلك الوقت كانت قيمة سندات اليوروبوندز تبلغ 31.3 مليار دولار (مع الفوائد المتراكمة عليها اليوم والتي لم تُدفع فإنها زادت بقيمة 2.2 مليار دولار)، كما أن هناك نحو 3 مليارات دولار هي عبارة عن ديون لدول أو منظمات دولية، ويضاف إليها أيضاً الديون الصادرة بسندات ليرة لبنانية بقيمة 84701 مليار ليرة، والتي زادت هي أيضاً بقيمة تصل إلى 2.1 مليار دولار. في المجمل باتت قيمة الدين توازي 142.000 مليار ليرة (94.19 مليار دولار) في نهاية آب 2020 من دون أي اقتطاع ومن دون إعادة تقييم سعر الدولار مقارنة مع 135.946 مليار ليرة (90.1 مليار دولار) في نهاية 2019 حين كان الناتج المحلي الإجمالي يوازي 79173 مليار ليرة (52 مليار دولار)، إلا أنه بعد احتساب سعر الصرف الجديد، أي 6000 ليرة لكل دولار، وبعد الانخفاض الهائل في قيمة الناتج، ستصبح نسبة الدين إلى الناتج أكثر من 267%، وبالتالي فإن نسبة الاقتطاع ستصبح أكبر بكثير من أجل خفض نسبة الدين إلى الناتج إلى أقلّ من 100%، وفي حال اتبعنا خطة الحكومة في اقتطاع الدين (%70 على اليوروبوند و%40 على الدين المحلي)، سيبقى لدينا دين بقيمة 19.43 مليار دولار أي %103 من الناتج المحلي.
هذا الأمر لن يكون له أثر كبير على هذه النسبة فقط، بل سيكون انعكاسه أكبر على حجم الخسائر اللاحقة بموازنة مصرف لبنان، وبموازنات المصارف. هذه الفجوة كلما كانت أكبر بالعملات الأجنبية، كان الأثر الناتج عن إعادة تقييم سعر الصرف، أكبر عليها. فالدولار المتوجب على المصارف للمودعين كان سعره على سبيل المثال 1507.5 ليرات، ثم أصبح يُدفع اليوم على سعر المنصة المحدد بقيمة 3900 ليرة، ولكنه سيُدفع 6000 ليرة إذا اعتُمد هذا السعر عند توحيد الأسعار التي يطلبها صندوق النقد الدولي كشرط أساسي ومسبق لأي برنامج معه. الاقتراض من الصندوق بالدولار مرتبط أصلاً بشروط الصندوق المسبقة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا