بحسب تقرير صادر عن «إسكوا» في تموز الماضي، بعنوان «تداعيات كوفيد 19 في لبنان على توزّع الثروة والفقر»، فإن معدلات الفقر في لبنان سترتفع من 28% إلى 55.3%، أي بزيادة 1.3 مليون شخص، بينما سترتفع معدلات الفقر المدقع من 8.2% إلى 23.4%، أي بزيادة 730 ألف شخص. بنتيجة هذه الزيادة، سيصبح أكثر من 2.6 مليون راشد في لبنان ضمن خطوط الفقر العليا، وأكثر من 1.1 مليون راشد ضمن خطوط الفقر المدقع.في المقابل، يشير التقرير إلى أن شريحة الـ 10% الأكثر ثراء في لبنان تملك نحو 90.8 مليار دولار بمعدل 360 ألف دولار لكل واحد من الـ 252 ألف شخص من المصنّفين من الأثرياء، ومن بينهم 6 أشخاص «مليارديرية» يملكون ثروة تقدّرها «فوربس» بنحو 10.2 مليارات دولار.
هذه الفجوة الكبيرة بين الفقراء والأثرياء يمكن ردمها عبر «ضريبة التضامن». بحسب الإسكوا، فإن هذه الضريبة تعبّر عن كلفة نقل الفقراء إلى ما فوق خطوط الفقر العليا التي يصنّف فيها كل من يعيش بنحو 14 دولاراً في اليوم، أي بقيمة 420 دولاراً في الشهر (على أساس سعر الصرف الثابت بقيمة 1507.5 ليرات وسطياً)، علماً بأن المصنفين ضمن خطوط الفقر المدقع يعيشون بأقل من 8.5 دولارات يومياً، أي بقيمة 255 دولاراً في الشهر.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

هذه الضريبة يجب أن تفرض على شريحة الـ 10% الأكثر ثراء في إطار إعادة توزيع الثروة. كانت تقديرات الإسكوا لمعدلات ضريبة التضامن المطلوبة لردم الفقر في عام 2019 تشير إلى أن 0.2% على شريحة الـ 10% كافية، إلا أنها عدّلت حساباتها لعام 2020 وأشارت إلى أن الضريبة المطلوبة لردم الفجوة هي 0.9%، أي أن كل شخص من الذين يصنفون فقراء، يحتاج سنوياً إلى 314 دولاراً من ضريبة التضامن للخروج من براثن الفقر.
الفجوة الكبيرة من الأثرياء والفقراء، أي تلك الـ 817 مليون دولار المطلوبة، لا تمثّل أكثر من 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 والذي يقدّره البنك الدولي بنحو 29.9 مليار دولار. كانت هذه الفجوة تقدّر بنحو 283 مليون دولار في عام 2019 يوم كان الناتج المحلي الإجمالي يوازي 53 مليار دولار، أي أنها كانت تمثّل 0.5%. في الواقع، إن اتساع الفجوة في عام 2020 سببه الانهيار المالي - النقدي - المصرفي الذي أدّى إلى تدهور سعر الصرف وارتفاع كلفة الاستيراد في ظل شبه انعدام للإنتاج المحلي، فازدادت الأسعار بشكل هائل، وانكمش الاقتصاد بوتيرة حادة نجم عنها خسائر جسيمة في الوظائف والرواتب والأجور وتقلص معدلات الاستهلاك إلى الحدود الضرورية، وجاءت النتيجة انزلاق عدد كبير من أبناء الطبقة الوسطى إلى الفقر.
فجوة اللامساواة بين الفقراء والأثرياء في لبنان كبيرة جداً، وليس هناك دلالة عليها أكثر من مؤشر جيني الذي يستعمله البنك الدولي. ففي لبنان، بلغ هذا المؤشر 81.9، وهو من أعلى المعدلات العالمية. يحتل لبنان حالياً المركز الـ 20 عالمياً، والثاني في المنطقة بعد السعودية.
أما ضريبة التضامن، فهي فكرة ليبرالية بالكامل وهي قابلة للتطبيق. ففي عام 1991، طبّقت في ألمانيا بعد توحيد شطريها الشرقي والغربي، بهدف تأمين رأس المال لإعادة إعمار ألمانيا الشرقية. يومها فرضت ضريبة بمعدل 7.5% على جميع المداخيل لمدة سنة واحدة. إلا أنها فرضت مرةً أخرى للمساعدة على تطوير الاقتصاد في ألمانيا الشرقية أيضاً. وفي فرنسا أيضاً، فرضت منذ عام 1988 ضريبة تضامن على الثروة تطاول 350 ألف أسرة تزيد ثروتها عن 1.3 مليون دولار، إلا أن هذه الضريبة أصبحت منذ عام 2018 تفرض على الأملاك لتفادي التهرب الضريبي.
اللافت في اقتراح «الإسكوا» أن ضريبة الـ 0.9% على شريحة الـ 10% الأكثر ثراء «بالكاد سيشعرون بها»، إلا أن مفاعيل مثل هذه الضريبة ستكون كبيرة على حياة الأكثر فقراً. وفي العالم العربي، فإن ثروة شريحة الـ 10% تبلغ 1.3 تريليون دولار، بينما يتطلّب الأمر 15.6 مليار دولار من أجل ردم فجوة الفقر. هذا الرقم يعدّ مجرّد فتات أمام هذه الثروات.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا