قبل أشهر، استحوذ رئيس مجلس إدارة شركة «سما» محمد منصور، على حصص وازنة في مجموعة شركات تقدّم خدمات الإنترنت. بعض هذه الشركات يشتهر بتوزيع الإنترنت بشكل غير شرعي بالاستناد إلى حجم السعات المستأجرة من وزارة الاتصالات. الصفقات التي نفّذها، دفعته ليصبح في المرتبة الثالثة بين مقدمي خدمات الإنترنت. «أوجيرو» تأتي أولاً، وتليها مجموعة «IDM - Cyberia» في المرتبة الثانية. وتردّد يومها، بأنه سيعمل على تشريع عمليات التوزيع غير الشرعية بهدف الانطلاق نحو سوق جديدة لا يقتصر مجالها على تقديم خدمات الإنترنت، بل يتوسّع نحو نقل المحتوى التلفزيوني أو ما يعرف بـ (IPTV). طموحه كان مبنياً على اعتبار أنه الوكيل الحصري في لبنان لتوزيع قنوات الـ beIN، ثم قيل إنه اتفق بشكل أولي مع شركة «IDM – Cyberia» للانطلاق معاً في اتجاه توزيع المحتوى التلفزيوني عبر شبكتيهما.بمعزل عن الاتفاق بين الشركتين ومصيره، إلا أن عملية تشريع شبكة التوزيع غير الشرعية لدى الشركات، لم تتحقق رغم التزام كل الشركات بالتصريح عن كامل عدد المشتركين لديهم. يحاجج هؤلاء، تقنياً بأن ليس لديهم مشتركون غير شرعيين، لكن الحجّة التقنية تقابلها حجّة أخرى بأن هناك نحو 635 ألف مشترك يحصلون على خدمة الإنترنت عبر شبكات غير شرعية.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

القصّة هنا لا تتعلق فقط بتحصيل إيرادات عن مشتركين غير مصرّح عنهم، بل تمتدّ نحو السوق الأوسع للإنترنت والخدمات التي يمكن تقديمها عبر الشبكات التي يحصل من خلالها المشتركون على خدمات الإنترنت. فقد تبيّن أن الشركات توزّع الإنترنت عبر خطوط فايبر أوبتيك هوائية، لا بل إن بعض الشركات حاولت الاستحصال رسمياً على ترخيص بمدّ خطوط فايبر هوائية في بعض المناطق.
ماذا يعني ذلك؟ إنها سوق واسعة. فمع التطوّر التكنولوجي، بات يمكن تأمين خدمات الإنترنت، وخدمات المحتوى التلفزيوني، وخدمة الصوت (الهاتف) وسلّة من الخدمات الأخرى عبر خطوط الفايبر. وبالتالي، فإن الجهة التي تسبق غيرها إلى الاستحواذ على حصص سوقية، سيكون متاحاً لها المنافسة وجني الأرباح المجزية. حجم سوق المحتوى التلفزيوني يساوي بالحد الأدنى عدد المشتركين المصرّح عنهم لدى أوجيرو وشركات الإنترنت، أي 419 ألفاً، ولكنه سيفوق مليون مشترك إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك أكثر من 635 ألف مشترك غير مصرّح عنهم، أي يحصلون على خدمة الإنترنت بواسطة الشبكات غير الشرعية. لذا، تقدّر قيمة هذه السوق بأكثر من 25 مليون دولار (على أساس سعر صرف يبلغ 1507٫5 ليرات وسطياً)، وهي تضاف إلى خدمة الإنترنت التي يمكن أن تدرّ إيرادات بقيمة 24 مليون دولار أيضاً، ثم تضاف خدمات أخرى... إلا أن الانطلاق نحو هذه السوق يكلّف استثمارات كبيرة في خطوط الفايبر أوبتيك أو امتياز استئجارها من الدولة، واستئجار حقوق نقل المحتوى التلفزيوني وسواها من الخطوات اللازمة لنقل الخدمات. كل ذلك يجري على قاعدة «اللي سبق شمّ الحبق». فمن سيتمكن أولاً من تأمين سلّة الخدمات للمشتركين، سيكون قد فرض نفسه لاعباً أساسياً في السوق وسيتاح له المنافسة وابتلاع الأسماك الصغيرة التي تغرّد هنا وهناك. عبر استحواذه على 60% من تجمع الشركات المملوكة من توفيق حيسو (TH global Vision)، كانت لدى منصور طموحات واسعة في مجال تقديم خدمات الإنترنت والتلفزيون وسواها، لكنه أثار خوف المنافسين ولم يتمكّن بعد من تشريع شبكته. منافسوه قلقون من أن يتمكّن من تشريع شبكته الكبيرة التي قد تستحوذ على أكثر من 15٫4% من الحصّة السوقية، مقارنة مع 35% لأوجيرو، و18% لشركة «IDM – Cyberia». هو كما غيره من الشركات، لديهم مشتركون يحصلون على الخدمات بواسطة شبكات هوائية ممدودة على أعمدة الكهرباء وأسطح المباني… عدد المشتركين غير الشرعيين يقدّر بنحو 635 ألف خطّ تقدّر كلفة الإيرادات الفائتة عليها بقيمة 21٫6 مليار ليرة.
المشكلة أن وزارة الاتصالات نائمة ولم تتحرّك بعد من أجل تأمين المنافسة ومنع الاحتكارات في هذا القطاع. ففي هذا المجال، تستحوذ ست شركات على 64% من السعات الدولية المستأجرة، من ضمنها ثلاث تستحوذ على 46% من السعات الدوليّة الموضوعة قيد الإيجار. هناك تركّز مرتفع في قطاع الإنترنت، وهو ما يتيح لقلّة من الشركات الاتفاق على آلية الاحتكار والمنافسة الوهمية في السوق، لذا، فإن الضمانة الفعلية هي أن تبقى الدولة متحكّمة بحصّة وازنة في السوق، وأن تكون لديها أدوات بمرونة كافية للتأثير على الأسعار والتوزيع وتنويع الخدمات… هذه هي الأداة الوحيدة التي تجري المساومة على بيعها في إطار الهاتف الثابت والهاتف الخلوي أيضاً.