منذ انفجار الأزمة المالية والنقدية وفرض المصارف قيوداً على سحب الودائع، عمد قسم من المودعين إلى استبدال ودائعهم بشيكات مصرفية لشراء سبائك الذهب. «في البدء، كان هناك طلب على سبائك الذهب مقابل شيكات مصرفية، لكن عندما أوقفت المصارف التحويل إلى الخارج، وأغلق التجار ديونهم للمصارف، أصبحت مبيعات الذهب محصورة بالعملة النقدية» يقول وليد معوّض، النقيب السابق لتجار الذهب: ما يباع اليوم هو «الأونصات الصغيرة الجاهزة والمسكوكة بوزن: 1 غرام، 33 غراماً، وصولاً إلى 500 غرام». ويعتقد معوّض أن «شراء الذهب هو ادخار صغير لتنويع محفظة الاستثمارات» فهذه السلعة «فيها مرونة أكبر من العقارات. الألماس مماثل أيضاً. لكن تجارته مختلفة قليلاً بسبب أحجامه المختلفة والطلب العالمي عليه».
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

إحصاءات الجمارك اللبنانية تشير إلى أن تجارة الذهب لم تتوقف منذ سنوات طويلة. يبدو أن تجار الذهب «بارعون». فهم كانوا يخزنون كميات كبيرة من سبائك الذهب التي تدخل إلى لبنان معفاة من الرسوم الجمركية لأنها تعدّ مواد أولية، ثم يبيعونها في السنة التالية عند ارتفاع الأسعار العالمية. هذا الأمر واضح من قيمة وحجم الاستيراد والتصدير. فلنأخذ مثلاً عامي 2011 و2012. في السنة الأولى، استورد لبنان 37 طناً من سبائك الذهب بقيمة 1.68 مليار دولار، وصدّر في السنة نفسها 28 طناً بقيمة 1.16 مليار دولار، لكن في السنة التالية استورد 25 طناً بقيمة 1.2 مليار دولار وصدّر 30 طناً بقيمة 1.4 مليار دولار. هذا يظهر أنه كان لدى التجار مخزون من السنوات الماضية.
وبحسب الإحصاءات الجمركية من عام 2011 لغاية 2019، فإن لبنان استورد 194 طناً من سبائك الذهب بقيمة 7.69 مليارات دولار، وصدّر 154 طناً من السبائك بقيمة 6.27 مليارات دولار. هناك 40 طناً فرق، علماً بأن نسبة مهمّة من هذا الفرق استُعملت في عمليات الإنتاج الداخلي. على مرّ السنوات، تذبذب المخزون تبعاً لارتفاع أو انخفاض الأسعار العالمية، لكن ما كان متوافراً منه منذ مطلع 2019 إلى اليوم، كان الأكثر أهمية. أتاح لهم هذا المخزون تحويل الودائع من حسابات مصرفية إلكترونية إلى سبائك يمكن تصديرها وتسييلها إذا كانت أوراقها شرعية ونظامية. عنذاك يمكن إعادة إدخالها إلى لبنان على أنها سيولة طازجة. طبعاً، لم يكن أحد يرتقب أن يظهر فيروس كورونا ويحدث أزمة عالمية ترفع أسعار الذهب وتحقق أرباحاً إضافية لكل من اشترى سبائك.
على عكس الذهب، هناك فئة عملت على تهريب أموالها من المصارف عبر آلية شراء العقارات. تجار العقارات رفعوا الأسعار ما بين 15% و20% رغم أن اتجاهها كان انحدارياً، وهم لم يبيعوا إلا لتغطية ديونهم للمصارف وحصروها لاحقاً بالمبيعات النقدية بالدولار، وبالتالي فإن الودائع المسحوبة بشيكات غطّت ديون التجار للمصارف، فضلاً عن أن العقارات يصعب تسييلها وتُستهلك، وهناك تنافس كبير على تأجيرها.