خلال الأسبوع الماضي، كرّر وزير المال علي حسن خليل، التأكيد لنيّة إصدار سندات دَيْن بالعملات الأجنبية (يوروبوند) بقيمة ملياري دولار تبعاً للسوق وبفائدة أقل بكثير من 14.7%. وقد أتى هذا التصريح في معرض الردّ على تقرير وكالة «بلومبيرغ» التي قدّرت أن يكون معدّل الفائدة على هذا الإصدار الأعلى خلال قرن.ارتكز تقرير «بلومبيرغ» على التدنّي الذي شهدته أسعار اليوروبوند اللبنانية خلال هذه الفترة. فمع تدنّي أسعار السندات في الأسواق، يرتفع العائد عليها بسبب انخفاض قيمتها الحالية مقارنة بقيمتها عند الاستحقاق. ونظراً إلى ارتفاع حجم المخاطر المرتبطة بظروف الأزمة المالية التي يشهدها لبنان، شهدت الأسواق خلال السنتين الماضيتين سلسلة من الانخفاضات في أسعار سندات اليوروبوند اللبنانية، وبالتالي ارتفاع العائد عليها.
من هنا، إذا أرادت وزارة المال طرح سندات جديدة في الأسواق، سيكون عليها مجاراة العائد الحالي لهذه السندات الذي تحدّده الأسواق. لذلك، قدّرت «بلومبيرغ» ارتفاع معدّل الفائدة على أي إصدار مقبل ربطاً بارتفاع العائد الحالي لليوروبوند في الأسواق.
ما تحدّثت عنه «بلومبيرغ» من انخفاض في أسعار اليوروبوند يظهر بوضوح في مؤشّر «بلوم» حول هذه السندات، فمنذ بداية حزيران/ يونيو 2017، شهد هذا المؤشّر مساراً انحدارياً قاسياً، إذ انخفض من 105.9 نقاط إلى نحو 87.37 نقطة في بداية حزيران/ يونيو 2019، ما يعني أنه خسر 17.5% من قيمته الأساسيّة خلال سنتين. إلّا أن تسارع المخاطر المحيطة بالوضع المالي، سرّع أيضاً وتيرة انخفاض قيمة هذه السندات خلال الشهرين الماضيين. ففي بداية تموز/ يوليو الماضي، انخفضت قيمة هذه السندات من 90.78 نقطة إلى 72.75 نقطة في منتصف أيلول/ سبتمبر، أي بنسبة 20%.


هذا الانخفاض في قيمة السندات، الذي تعكسه أرقام المؤشّر، هو ما أدّى إلى ارتفاع العائد على هذه السندات إلى 14.7% وفق «بلومبيرغ»، ما يعني أن معدّل الفائدة على أي إصدار جديد من سندات اليوروبوندز لمدّة خمس سنوات لن يقلّ عن 14.3%، وهو ما سيجعله معدّل الفائدة على هذا الإصدار الأعلى خلال هذا القرن، خصوصاً أن الدول التي أصدرت سندات سيادية بفوائد تتخطّى معدّل 10% قليلة جدّاً، فيما لم تقم أي دولة بإصدار سندات سيادية بفائدة تتجاوز معدّل 13% باستثناء حالات التعثّر.
من غير الواضح بعد كيفية إجراء الإصدار الذي يتحدّث عنه وزير المال بفوائد تتبع السوق، وتقل في الوقت نفسه عن 14.7% بكثير. فأي إصدار لا يجاري العائد الذي تقدّمه الأسواق لسندات اليوروبوند لن يعطي أي حافز للمصارف والمستثمرين للاكتتاب، علماً أن إحجام المصارف عن الاكتتاب وفق المعدّلات السابقة كان أحد أسباب الإحجام عن إصدار سندات يوروبوند جديدة خلال الفترة الماضية.
ثمّة فرضيّة جرى الحديث عنها في هذا السياق، وترتبط بإمكانية تقديم مصرف لبنان حوافز استثنائية للاكتتاب في سندات يوروبوند ذات فائدة أقل. وفي هذه الحالة، سيُحَدّ من ارتفاع كلفة خدمة الدَّيْن بصورة شكلية في الموازنة، وبالتالي الامتثال لنسبة العجز المُحدّدة في مؤتمر «سيدر». لكن من ناحية أخرى، ستُحمَّل ميزانية مصرف لبنان الفارق بين الفائدة التي تحدّدها أسعار السوق حالياً وفائدة السندات الجديدة، ما يعني تحميل المال العام الكلفة نفسها.
بمعزل عن كلّ الخيارات المطروحة اليوم، إن ارتفاع العائد على سندات اليوروبوند يعني أن حجم المخاطر وكلفة تمويل الدَّيْن العام أصبحا مرتفعين بنحو قياسي، مقارنةً بكلّ الدول التي لم تصل بعد إلى مرحلة التعثّر. ما يعني أن الإصرار على الاستمرار في إعادة تمويل الدَّيْن وفقاً لأدوات السوق التقليدية وبكلفة مرتفعة، يهدف إلى حماية مصالح الدَّائنين في الدرجة الأولى، بدل الاعتراف بحجم المشكلة وطبيعتها، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة البحث عن الحلول والبدائل.