أصبح الحديث عن أسعار سندات اليوروبوند اللبنانية وتقلّب عوائدها جزءاً أساسياً من المتابعات المتعلّقة بالضغوط التي تواجه الأسواق المالية اللبنانية، خصوصاً أن سوق سندات اليوروبوند بالتحديد شهد في النصف الثاني من السنة الماضية أقسى تقلّباته بالتوازي مع تراجع المؤشّرات المالية على مختلف الصعد. فسندات اليوروبوند يتمّ تداولها وفق أسعار تحدّدها آليّات العرض والطلب في السوق، ومع تحسّس الأسواق المالية لارتفاع درجات المخاطر تنخفض أسعار التداول لهذه السندات مقارنة بقيمتها التي ينالها المستثمر عند الاستحقاق في المستقبل، وهو ما يعني تلقائياً رفع العوائد على هذه السندات. وهكذا، ترتفع العوائد على هذه السندات مع ارتفاع درجة المخاطر المتوقّعة في الأسواق.في مراجعة سريعة لنسبة العائد على سندات اليوروبوند، بين عامي 2013 و2018، يظهر بوضوح أن نسبة العائد ارتفعت بأكثر من الضعف، من 4.5% إلى 10%. ووصلت إلى 10.27% لغاية تاريخه. مع العلم أنّ سندات اليوروبوند هي سندات الدَّيْن السيادي المكتتبة بالعملات الأجنبيّة تحديداً، ولا يشمل هذا المعدّل سندات الدَّيْن بالليرة اللبنانية.


خلال السنوات الماضية، تضافرت أسباب داخليّة عدّة لتساهم في نشوء هذه الحالة، وفي طليعتها ارتفاع المخاطر المصاحبة للاستثمار في الأسواق المالية بالتزامن مع تنامي الأزمة المالية، وهو ما أثّر حكماً على أسعار هذه السندات ودفعها للانخفاض. وتربط بعض التحليلات انخفاض أسعار هذه السندات خلال فترات معيّنة في السنوات الماضية ببعض الإجراءات التي قام بها مصرف لبنان وقضت باستبدال سندات دين بالليرة اللبنانية كانت موجودة بحوزته بسندات يوروبوند (بالدولار الأميركي)، لبيع سندات اليوروبوند وزيادة احتياطي العملات الصعبة الموجود لديه، وهو ما خلق فائضاً في عرض سندات اليوروبوند. ومن ناحية أخرى، كانت الأرباح المرتفعة التي تؤمنّها هندسات مصرف لبنان كافية لدفع المصارف إلى توظيف سيولتها بالعملة الأجنبيّة في هذه الهندسات، بدلاً من توجيهها - كما جرت العادة - إلى التوظيف في سندات اليوروبوند.
أمّا من ناحية العوامل الخارجية، فمن الطبيعي أن تتأثّر أسعار سندات اليوروبوند المكتتبة بالعملات الأجنبية والعوائد عليها، بأسعار الفوائد عالمياً. وهكذا شكّل ارتفاع الفوائد على الدولار في الولايات المتّحدة ومختلف أنحاء العالم، وحركة التدفّقات المالية الناتجة عنها باتجاه الولايات المتّحدة، ضغطاً إضافياً على عوائد اليوروبوند للارتفاع. وفي هذا السياق، كان للتوسّع في زيادة نسبة الديون السيادية اللبنانية بالعملات الأجنبية من إجمالي الدَّين أثر كبير في زيادة انكشاف الدَّين العام على تحوّلات الأسواق المالية العالمية وحركة الأموال فيها.
سيكون لزيادة نسبة العوائد بهذا الشكل تأثير هائل على خدمة الدَّين في المستقبل. فارتفاع نسبة العوائد على سندات اليوروبوند القائمة حالياً سيفرض على الدولة زيادة الفوائد على سندات اليوروبوند التي سيتم عرضها للاكتتاب في المستقبل لتأمين الطلب عليها. ومن المتوقّع وفق تقرير «الدَّيْن وأسواق الدَّيْن» الذي تصدره وزارة المالية أن يستحق خلال عام 2019 ما قيمته 5,078 مليار دولار من سندات اليوروبوند وفوائدها بالعملة الصعبة، سيحتاج لبنان إلى إعادة تمويلها عبر إصدار وبيع سندات يوروبوند جديدة.
لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن هذه الديون، التي سيحتاج لبنان إلى إعادة تمويلها بالفوائد الأعلى وبالدولار، ستتحوّل إلى عامل إضافي من عوامل الضغط على السيولة بالعملة الصعبة، في وقت تتفاقم فيه أزمة ميزان المدفوعات والتحويلات الخارجية. فودائع المصارف اللبنانية بالعملات الأجنبيّة تراجعت في أوّل شهرين من هذا العام بنسبة 2.76% بالنسبة إلى المقيمين و0.97% بالنسبة إلى غير المقيمين، وهو ما ساهم في تراجع إجمالي ودائع القطاع بنسبة 1.41%. نسب التراجع هذه كفيلة بإظهار التحدّي الكبير الذي سيواجه إعادة تمويل سندات اليوروبوند وفوائدها المستحقّة بالفوائد المرتفعة مستقبلاً