الحسابات السياسية التي يوردها دبلوماسيون عرب من دول داعمة لإسقاط النظام في سوريا لا تشير البتة إلى ما يجري الآن من مواجهات بين النظام ومحتجين يريدون إصلاحات، بل إن هؤلاء الدبلوماسيين يتحدثون صراحة عن التغيير الواسع المطلوب في المنطقة من أجل مواجهة خيارات جديدة. ويقول دبلوماسي خليجي رفيع إن عقداً من الزمن استهلك مع مليارات كثيرة من الدولارات من دون النجاح في إقناع الرئيس بشار الأسد بمغادرة موقع التحالف مع إيران. بل إنه، بحسب المسؤول نفسه، جرت محاولة إقناع دمشق بأن تبقي علاقاتها مع إيران، على أن تعمد الى تغيير سياسات خارجية إزاء ملفّين أساسيّين: العراق ولبنان. يقول الدبلوماسي إن ملف فلسطين لم يناقش، لأن بمقدور العرب السير به من دون الحاجة الى فرض سياسة معينة على دمشق، وإن قوى المقاومة في فلسطين التي تربطها علاقات قوية مع سوريا، سيكون بمقدورها الذهاب بعيداً في حال توافر عناصر تبرر ذلك. ويضيف أن الرهان هنا كان، ولا يزال، على موافقة أميركية على إعلان دولة فلسطين الآن، والعمل على تحقيقها ولو بعد وقت، وأن هذه الخطوة من شأنها كبح جماح التيار الداعي إلى المقاومة المسلحة، وهذا سيفقد إيران وسوريا ورقة قوية. وفي حال التفاهم مع الأسد على ملفّي العراق ولبنان، فإن الموقف الإيراني سيكون أكثر صعوبة، وكذلك الحال بالنسبة إلى حلفائه وخصوصاً حزب الله في لبنان.
يلفت الدبلوماسي الخليجي الذي تحدث في لقاء بعيد عن الأضواء إلى أن سوريا حاولت اعتماد سياسة مختلفة، وأن الاتصالات مع تركيا والسعودية ودول أخرى أفضت إلى تفاهم على دعم وصول أياد علاوي إلى رئاسة الحكومة في العراق. وقد دعم الأسد بالفعل هذه المحاولة، وكان لسوريا دورها في تعزيز مشاركة جهات عراقية في الانتخابات الأخيرة. لكن الذي حصل هو أن الأسد عاد وانقلب على تفاهمات مع تركيا ودول الخليج، ووافق على وجهة إيران بدعم بقاء نوري المالكي في موقعه. وقد ترافق الموقف مع نشاط سياسي هدف الى توحيد القوى العراقية الحليفة لإيران ودمشق في جبهة واحدة، بدا واضحاً أن عنوان التحالف المركزي في ما بينها هو مواجهة اقتراح التمديد لبقاء القوات الأميركية في العراق، وهو ما كان علاوي موافقاً عليه. ويتحدث الدبلوماسي الخليجي عن جهد إيراني كبير أدى الى حل الكثير من الخلافات بين القوى العراقية، وخصوصاً التيار الصدري والمجلس الأعلى لجهة الموافقة على الدخول في حكومة واحدة مع المالكي.
وفي شأن لبنان، يلفت الدبلوماسي الخليجي الى أن تركيا وقطر بذلتا جهداً كبيراً مع السعودية لإقناعها بتجميد ملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والموافقة على صفقة يتنازل فيها الرئيس سعد الحريري مقابل بقائه في رئاسة الحكومة، وأن الورقة الأخيرة التي جرى التوصل إليها تضمنت البنود بصورة واضحة. ويتهم الدبلوماسي الخليجي الرئيس الأسد بأنه تنازل لكل من إيران وحزب الله، وقرر إطاحة الحريري. ويشير الى أن الجانبين القطري والتركي حاولا سد كل الثغر، حتى إن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وأمير قطر حمد بن خليفة وصلا الى دمشق في زيارة مفاجئة، وأن الأسد تبلّغ قدومهما خلال وجودهما في الجو. وقد سعيا بقوة إلى إمرار الصفقة التي تبقي الحريري في رئاسة الحكومة. ويضيف الدبلوماسي أن الرجلين خرجا من دمشق على أساس أن الأسد سيقنع حزب الله بهذه الصفقة، لكنّ وزيري الخارجية أحمد داوود أوغلو وحمد بن جاسم فوجئا بإبلاغهما موقفاً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يشير إلى رفض الصفقة، وأن المعارضة، في حينه، ماضية في خطواتها لإسقاط الحريري، وهو ما حصل خلال يومين.
ومع أن الدبلوماسي الخليجي لم يشر كثيراً إلى طبيعة الاتصالات التي جرت في الفترة اللاحقة على هذه الأحداث، لكنه يلفت الى تطور حصل على أثر اندلاع الاحتجاجات في عدد من المدن السورية، وعدم قدرة النظام في سوريا على احتواء الموقف. وتقرر العمل بقوة على وضع برنامج عمل يستهدف إرغام الأسد على تقديم تنازلات مزدوجة، أوّلها يتعلق بتوسيع دائرة المشاركة السياسية في الحكم، وركز الأتراك والقطريون في مراسلات وفي محادثات على أن تكون المشاركة الجديدة من جانب حركة الإخوان المسلمين، وثانيها يتعلق بتجميد سوريا لسياستها الخارجية تمهيداً لإعادة صياغة الموقف في ضوء النظام السياسي الجديد، الأمر الذي ردّت عليه سوريا بوقف كل أشكال التواصل، وخصوصاً أن الأسد قال، خلال لقاءات عدة مع زوار عرب وأجانب، إنه يقرأ ما يقال له على أنه إملاءات أميركية. وهو سبق أن سمع هذه المطالب من الأميركيين مباشرة ومن أوروبيين أيضاً.
ثمة اسئلة كثيرة لم يجب عنها الدبلوماسي الخليجي الرفيع، لكن الأساس الواضح أن الضغوط سوف تتواصل من جانب المحور الخليجي ـــ الأوروبي ـــ الأميركي ضد النظام في سوريا، من دون التوقف عند الصعوبات المتزايدة سياسيا وامنيا واقتصاديا.