اليوم هو يوم المعارضة السورية بامتياز. اليوم، قد يوضَع في القاهرة الحجر الأساس لصرح معارِض جديد اسمه غير متّفَق عليه بعد، لتكوين تحالف جديد يسمح للعرب وللغرب ولكل من يرغب في التخلص من نظام الرئيس بشار الأسد بالاعتراف به والتعامل معه على أنه «الممثل الشرعي» للشعب السوري. خطوة يأمل خصوم النظام ان تكون المفتاح والسند لكل ما يمكن أن يأتي، وليبنى عليها تصعيد عربي وإقليمي وأجنبي محتمل. فإن قرّر العالم وتركيا إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية مثلاً، فسيكون الأمر بحاجة إلى ضوء أخضر من إطار معارِض جامع. وإن كان مقرراً إحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، فسيكون على الجهات العليا الاستناد في ذلك إلى طرف سوري يمتلك شرعية معارِضة لا يمكنها أن تكون مليئة بالثُّغَر وبالمشاكل التنظيمية مثلما هي حال جميع الائتلافات المعارضة الحالية، من «المجلس الوطني السوري» إلى «هيئة التنسيق الوطني». حتى إن كان الأمر سيصل إلى حد التدخل العسكري الخارجي، فإنّ ذلك أيضاً بحاجة إلى توصية من هيئة سورية معارضة يمكنها الادعاء بتمثيل جزء كبير من الشارع السوري وتطلعاته، بما أنّ الاستناد في طلب ذات حجم كبير كهذا إلى اللافتات التي تُرفع في تظاهرات أيام الجمعة معظمها مكتوب بخط اليد، هو أمر مستحيل ما دام الجميع يكررون لازمة أنّ إسقاط التجربة العراقية وحتى الليبية غير محبَّذة على الحالة السورية. في هذا السياق، يجتمع اليوم عدد كبير من المعارضين السوريين في القاهرة، بتوصية وموعد من مجلس وزراء الخارجية العرب، الذين وضعوا شعار «تحديد رؤية موحَّدة للمعارضة السورية تجاه المرحلة الانتقالية في غضون 3 أيام» وطرحها لاحقاً على وزراء الخارجية تمهيداً للاعتراف بهذه المعارضة، في مقدمة أهدافهم وخطواتهم لـ«إنقاذ سوريا». لائحة الدعوات إلى الاجتماع في القاهرة واسعة بحسب ما يكشفه لـ«الأخبار» أحد المدعوّين، الناشط المعارض المقيم في باريس، فارس الشوفي. ومبرِّر توسيع الدعوات هو رغبة الجهات الخارجية بلا استثناء في خلق إطار جامِع يُبنى عليه كل ما سيصدر من قرارات مستقبلية لاحقة. كلام يذكّر بمساعٍ قديمة أميركية وفرنسية وتركية تُرجمَت بضغط العواصم الكبرى على «المجلس الوطني السوري» ليرتّب أوضاعه ويسدّ الثُّغَر في صفوفه، بحسب الشوفي، وهو ما لم يحصل، ولذلك لم يُعترَف بعد بالمجلس الوطني السوري، كل ذلك لأنّ أحداً من الخارج «لا يريد اختراع مجلس معارِض لا يتمتع بصفة تمثيلية حقيقية مثلما حصل مع أحمد الجلبي» في الحالة العراقية حين تبيّن أن للرجل صفة تمثيلية زائفة بالكامل. من هنا، لا يستبعد المعارِض المنفي في باريس، شأنه شأن عدد كبير من المعارضين المقرر أن يشاركوا في لقاء اليوم وما سيليه من اجتماعات لاحقة يؤكّد البعض أنها ستحصل بالفعل إن لم يكن في القاهرة، ففي أماكن «أكثر هدوءاً وأكثر بعداً عن الضجة الاعلامية»، لا يستبعدون ولادة «شيء معارِض جديد» يضمّ الجميع وفق حدٍّ أدنى من السقف السياسي المتفق عليه، رغم أنّه لا أحد يتوهّم أن تُحلّ المشاكل الشخصية والسياسية العالقة بين أركان المعارضات المختلفة.
من هنا، يرى الشوفي أنّ من الصعب أن يسعى العرب، والقطريون تحديداً، إلى محاولة توسيع «المجلس الوطني السوري»؛ لأنّ هذا المجلس «بحاجة إلى إعادة تركيب وإعادة توزيع حصص؛ لكونه وُلد بنحو غير ديموقراطي، كذلك إنّ آلياته التنظيمية لا تزال غير ديموقراطية حتى اليوم»، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان أن يتبنّاه العالم وأن يقبل المعارضون السوريون الآخرون بالانضمام إليه. لكن بدا واضحاً أنّ مساعي المجلس الوطني لنيل اعتراف دولي وإقليمي به على أنه ممثل المعارضة السورية لم تتوقف حتى يوم أمس، بدليل طلب ممثلين عن المجلس من وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الذي التقوه في أنقرة، أمس، السماح بفتح مكتب تمثيلي لهم في تركيا.
من الواضح أن عدد المشاركين في اجتماع اليوم سيكون كبيراً. على سبيل المثال، إنّ الفرع المنضوي في «المجلس الوطني» من «مجلس إعلان دمشق» وحده، الممثل بـ20 شخصاً في الهيئة العامة للمجلس، توجّه منه 12 ممثلاً إلى القاهرة، وهو ما يؤكّد أن عدداً كبيراً من المعارضين سيحضرون اللقاء مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي اليوم، نظراً إلى أن الدعوات غير محصورة بهيئة التنسيق والمجلس الوطني، بل إن مستقلين كثراً سيكونون موجودين، إضافة إلى ممثلين عن الهيئة العامة للثورة السورية واتحاد التنسيقيات المحلية وآخرين.
وفي السياق، يرى الشوفي أنّ خطوات ثلاث يمكن توقعها قريباً في إطار التصعيد التدريجي العربي والدولي ضد النظام السوري في المرحلة الجديدة التي فُتحت صفحتها يوم السبت الماضي مع قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب؛ أولاً الاعتراف بالمعارضة السورية، وتحديداً الإطار الجديد الممكن أن يولد قريباً، وهو ما سيكون «خطوة متقدمة في إطار إسقاط النظام». ثانياً، إقامة منطقة عازلة، لتركيا دور كبير فيها. وثالثاً، إرسال وفد إلى القيادة السورية للتفاوض معها في المرحلة الانتقالية. وعن هذا الموضوع، يرى الشوفي أنّ النائب الأسبق للرئيس، رفعت الأسد، فهم أنّ العرب بصدد التفاوض مع القيادة السورية بشأن مرحلة انتقالية، لذلك عاد للظهور أخيراً في باريس في سلسلة اجتماعات آخرها حصل أول من أمس، «لكونه لا يزال يعوّل على أن يبقى الحكم بيد آل الأسد. لذلك، قد يفكّر رفعت بطرح اسمه كشخصية تضمن الاستمرارية واستقرار البلاد وطمأنة الأقليات، وتحديداً العلويين، وفي الوقت نفسه أن يكون بديلاً لنظام الرئيس الحالي».
ورغم الموعد المحدَّد اليوم لاجتماع جميع المعارضين السوريين بالعربي، استبق الرجل اللقاء الجامع باجتماع مع وفد من المجلس الوطني برئاسة الناطقة الرسمية باسمه بسمة قُضماني قبل وصول الاسم الأبرز في المجلس برهان غليون إلى القاهرة آتياً من أنقرة. بالطبع، لم تخرج تسريبات عن مضمون اللقاء، لكن من غير المستبعد أن يكون جزء أساسي من النقاش قد دار حول اجتماع اليوم؛ لأنّ اندماج تيارات معارضة في إطار جديد موحَّد بحاجة إلى تحضيرات كبيرة لكن سريعة، مع علم الجميع بأنّ المطلوب تذليله أولاً هو شق الخلافات الشخصية بين المعارضين السوريين، قبل الوصول إلى الحديث السياسي الأكثر تعقيداً، أكان من جهة الموقف السياسي، أم الحصص المطلوب توزيعها منذ الآن بين مختلف الأطراف. وفي ما يخص الخلاف السياسي، أُضيفت نقطة جديدة بين «هيئة التنسيق» و«المجلس الوطني» مع طلب دمشق عقد قمة عربية طارئة يحصر النقاش فيها بالأزمة السورية «وتداعياتها على الأمن القومي». ففيما كشف القيادي البارز في «الهيئة» هيثم منّاع لـ«الأخبار» أول من أمس أنّ عقد مثل هذه القمة كان أحد مطالب «هيئة التنسيق»، فإنّ ردود فعل المجلس الوطني، ممثلاً ببرهان غليون، إضافة إلى معارضين مستقلين كفارس الشوفي مثلاً، عبّرت عن أنّ الدعوة إلى قمة عربية طارئة هي محاولة جديدة من النظام «لكسب الوقت».
ويشغل بال معارضين سوريين، منذ الآن، همّ كبير بألا تتكرر في «سوريا الجديدة» ما حصل ويحصل مع الثوار المصريين والتونسيين؛ ففي الحالة الأولى، عاد المجلس العسكري ليحكم بنفس روحية النظام المخلوع، وبنفس الرموز أحياناً. أما في تونس، فقد غاب ثوار عن تشكيلة المجلس التأسيسي المنبثق من الانتخابات الأخيرة. وفي هذا الموضوع، يبدو المعارضون السوريون شديدي الاهتمام بألا يتكرر الأمر نفسه معهم «بعد سقوط النظام» على حد تعبيرهم، لذلك يعلّقون أهمية كبيرة على أن يكون توزيع الحصص في أي هيئة معارضة جامعة مبنياً على انتخابات لتأليف ما يشبه مجلساً تمثيلياً حقيقياً، وهو ما لا يحبّذه أركان في المجلس الوطني، من أمثال غليون وقُضماني، على قاعدة أن المجلس المعارض يجب ألّا يدّعي تمثيل الشعب، بل عليه تجنيد كل قواه لدعم الثورة، على أن يقوم الشعب «بفرز ممثّليه في مرحلة ما بعد حكم الأسد». كلام لا يستسيغه عدد آخر من المعارضين، كالشوفي مثلاً، المصرّ على ضرورة أن يكون الركن الأساسي في أي إطار معارِض جامع جديد، آتياً من الداخل السوري «لأنّ هذا الداخل تمكّن من تنظيم نفسه سياسياً، رغم كل القمع والتضييق».