دمشق | مع بداية الأزمة السورية، سارعت الولايات المتحدة مع عدد من الدول الأوروبية، إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية على النظام السوري، في محاولة لتوجيه ضربة قاسية إليه، لكنه استطاع الصمود طوال الأشهر الثمانية الماضية. ثم جاء القرار الذي أصدرته الجامعة العربية أخيراً، بتعليق عضوية سوريا، المتوقع أن تليه جملة من العقوبات الاقتصادية العربية، لزيادة الضغط.لا يمكن فصل الواقع السياسي بتداعياته المختلفة عن واقع سوريا الاقتصادي، الذي يُعَدّ صمام الأمان لأي نظام يتعرض لأزمات مشابهة. ينطلق المحلل الاقتصادي، عدنان عبد الرزاق، من هذه الفكرة، في تعليقه وتحليله لمعطيات الاقتصاد السوري الجديدة، الذي بات مرتبطاً بتطورات الأزمة والأحداث التي تعيشها البلاد. ويقول: «أعتقد أن أزمة سوريا الحقيقية هي أزمة اقتصادية، وإن أتت بحوامل سياسية وإعلامية؛ لأن انهيار الاقتصاد السوري سيأتي على جميع مكونات الدولة والنظام، وإن خرجت سوريا من حالة انهيار اقتصادي فستخرج عاجزة مقعدة. هذا هو الهدف الحقيقي من الهجمة على سوريا».
ويفنّد أمين التحرير في صحيفة «البعث» الحكومية مراحل الهجوم الدولي المدروس على الاقتصاد السوري ومؤسساته وموارده، ويقول: «البداية كانت مع استهداف الليرة السورية، لكنها حافظت على سعر صرفها أمام العملات الأخرى. وحاولت جهات معينة إفراغ الإيداعات المالية من المصارف السورية، وتوجيهها نحو الخارج، وبعدها كان الاتجاه نحو المشاريع الاستثمارية الخاصة والمشتركة، عندما بدأت حملة واسعة لتسريح العمالة، ما سبب ضعفاً في الإنتاج». ويرفض التعامل مع العقوبات الاقتصادية باستخفاف أو عدم اكتراث، قائلاً: «لا تأثير كبيراً لهذه العقوبات على المدى القريب، لكن على المدى البعيد سيكون لها تداعيات خطيرة جداً».
ويشرح عبد الرزاق أن «أهم عائدات الاقتصاد السوري هو النفط الذي يُصدَّر نحو 150 ألف برميل منه يومياً، ومعظم هذه الصادرات تتجه نحو الاتحاد الأوروبي، ووقف الاستيراد الأوروبي لها، سيسبب بالتأكيد حرجاً وأزمة اقتصادية داخلية. مع أن كمية النفط السوري المصدر غير مغرية كثيراً، وقد تجد بعض الدول أنه لا يستحق مواجهة دولية من أجله. لكن إيقاف تصدير النفط سيفقد الخزينة السورية 16 مليون دولار يومياً».
ويشير إلى أن «السوريين عملوا على مدى أعوام لربط الاقتصاد السوري بالاقتصاد الأوروبي، وحوّلت المصانع بنيتها ومجمل المنتجات المحلية، وأساليب تعاملها التجارية، إلى النظام الأوروبي»، قبل أن يضيف أن «وقف التعامل مع السوق الأوروبية، ستنتج منه حالة من الجمود والكساد التجاري والاقتصادي في الداخل السوري. هذا ما دعاني في مواقف كثيرة إلى مطالبة الحكومة السورية بانتهاج ما يسمى اقتصاد أزمة، أو اقتصاد الحرب، لكنها للأسف لا تزال تتعامل بشيء من الحتمية حتى الآن».
وعن تداعيات القرار الأخير للجامعة العربية، يقول عبد الرزاق إن «سوريا دخلت عام 2005 منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، ما ساعد على إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول العربية، فإن حاصرت الدول العربية سوريا اقتصادياً، فستزداد الأزمة الاقتصادية سوءاً». لكنه يشدّد على أنّ «هناك دائماً حلولاً اقتصادية جاهزة للتعامل مع مثل هذه الاحتمالات؛ فالعالم مفتوح اقتصادياً، وهناك بالتأكيد حلفاء لسوريا وعملاء اقتصاديون جدد، مثل أميركا اللاتينية، وشرق آسيا».
لكن المحلل الاقتصادي يلفت إلى أن «الأخطر هو برنامج الإصلاح الذي أعلنته الحكومة السورية أخيراًً، والذي يحتاج إلى ميزانية إضافية جديدة، ستزيد من الإنفاق أمام الموارد القليلة أو الضعيفة للخزينة العامة، مقابل فرص الاستدانة الصعبة وواقع سياسي يزداد تأزماً، لكن يبقى السؤال الأهم برأيي: إلى متى يستطيع النظام السوري تمويل نفسه اقتصادياً، ويبقى صامداً أمام تداعيات الأزمة المتسارعة؟ في النهاية علينا أن ندرك جميعاً أن العقوبات الاقتصادية، مهما كانت طبيعتها أو مصدرها، ستطال في الدرجة الأولى المواطن السوري، قبل النظام والسلطة».
بدوره، لا يفرق المحلل الاقتصادي، الأستاذ في جامعة دمشق حيان سلمان، بين مصدر العقوبات الاقتصادية «سواء أكانت أميركية أم أوروبية أم عربية». ويرى أن مسلسل العقوبات الاقتصادية قديم، وجاءت بعد فشل العقوبات السياسية، لكنه أشار إلى أن أي عقوبات جديدة ستكون «حرباً مسعورة، على لقمة عيش الشعب السوري، أكثر ما ستكون عقوبات على النظام والسلطة». ويؤكّد أن السلطات السورية عملت «كثيراً لتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الاقتصادي الذاتي» كي تتصدى للعقوبات، لكن «هذا لا يعني أننا نستطيع الاستقلال نهائياً عن التجارة الخارجية».