140 حرفاً، صورة، وسم، إيموجي.
هذه هي عموماً، عدّة الشغل على «تويتر». كلّ شخص يستخدم منها ما يناسبه، إلا النائب وليد جنبلاط. يستخدمها كلّها دفعة واحدة، في معظم تغريداته. وهذا ما جعله يوصف من قبل كثيرين بـ«الماهر» في التعامل مع الموقع الأكثر استخداماً حول العالم من قبل السياسيين. كما مُنح شهادات تفوّق على زملائه الذي سبقوه إلى التغريد من دون أن ينجحوا مثله: إذ حصد في عام ونصف تقريباً 225 ألف متابع. وهذا رقم كبير بالمقارنة مع متابعي بقية السياسيين في لبنان، الذين يحلّ أولاً بينهم رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري (648 ألف متابع). الزعيم السياسي الأقرب إلى جنبلاط، لجهة عدد المتابعين، هو سمير جعجع (192.600 متابع)، رغم أنه يسبقه بأكثر من أربع سنوات في الحضور على الموقع.
قد لا يكون عدد المتابعين مؤشراً دقيقاً إلى حجم النجاح على «تويتر»، في ظلّ إمكانية شرائهم. إلا أن جنبلاط يمتاز عن الجميع بأنه أكثر السياسيين متابعة للآخرين (1249 شخصاً). وهو يحظى بنسبة جيدة من المعجبين اليوميين، ومن الذين يعيدون نشر تغريداته، و... من المعلّقين الذين لا يفوّتون تغريدة واحدة من دون ترك توقيع لهم عليها، على الرغم من أنه يغرّد بمعدّل 12 مرة في اليوم، منذ إنشائه لصفحته في تشرين الأول 2014، ومن أن غالبية التغريدات تكون غير مكتملة المعنى، من دون زميلاتها. إذ لا يلتزم جنبلاط مبدأ «تويتر» القائم على التعبير عن فكرة واحدة من خلال 140 حرفاً. يمكنه أن يستخدم الـ140 حرفاً 10 مرات، من دون ترقيمها، لإيصال رسالة تتحوّل بعد دقائق إلى تقرير كامل مع صوره، ينشره موقع «الأنباء الالكتروني» التابع للحزب التقدمي الاشتراكي، ثم يعيد جنبلاط تغريده على صفحته.
وهذا ليس الأمر الوحيد الذي لا يلزم جنبلاط. هناك طريقة استخدامه الخاطئة للوسم (الهاشتاغ)، ما يدلّ بشكل واضح إلى أنه يجهل وظيفته. فهو حين يستخدمه، يفعل ذلك غالباً في بداية كلّ جملة لتسبق حروف الجر أو الوصل مثل (and, in, but)، وأحياناً في نهايتها. وغالباً، لا يصل الـ# بالكلمة التي تليها، ما دفع إحدى المعلّقات إلى لفت نظره إلى الأمر ودار حوار بينهما عنه، وعدها في نهايته بأن يعمل بنصيحتها لاحقاً.




وعلى الرغم من غزارة تغريداته، إلا أنها تبقى غير مفهومة بالنسبة إلى البعض. فيسأله أحدهم عن معنى الكلام الذي يكتبه، فيما يعلّق آخر: «خلّيك متل هالطقس، ما حدا بيفهم عليك». وبما أن نسبة كبيرة من تغريدات جنبلاط هي باللغة الانكليزية، فقد طالبه آخرون بأن يكتب بالعربية «حتى نفهم عليك». لكنه حتى عندما يكتب بالعربية يقع في بعض الأخطاء، غير المطبعية بالضرورة.




حتى الصور والرسوم التي ينشرها، يصعب فهم أسباب اختيارها. خصوصاً أنه قد يكرّر بعضها لاحقاً في تغريدات أخرى، مختلفة المضمون تماماً. وهنا أيضاً يخضع للسؤال من المتابعين عن المعنى، من دون الحصول على جواب. إذ لا يبدو دقيقاً الكلام عن انخراط جنبلاط في محادثات مع متابعيه، بما أن هذا الأمر نادر الحصول.
المهمة ليست أسهل لدى محاولة تفكيك طريقة استخدامه للرموز الصغيرة المصوّرة (إيموجي)، التي يكاد ينفرد باستعمالها بين السياسيين. ذلك أن عشوائيته في اختيار الإيموجي، تجعل الحلّ الأمثل للتعامل معها اعتبارها أدوات للزينة، تميّز التغريدة عن الثانية، لا وظيفة لغوية لها.
صحيح أن الباحثين في لغة الـ«إيموجي» يقولون إن قراءة هذه الرموز تبقى ذاتية، على الرغم من محاولات توحيد معناها عالمياً. إلا أن جنبلاط نفسه لا يبدو واثقاً من المعنى الذي يعطيه لكلّ منها، إذ تختلف استخداماته له. فيمكن رؤية «الإيموجي» نفسها في تغريدة ساخرة، ثم غاضبة، ثم متّهِمة، ثم مسلية... كما هي الحال مع صاحب القناع الأحمر (من رموزه الأكثر استخداماً)، هذا الوجه الذي يفترض أنه يوحي بالغضب، وفق التفسيرات المعطاة له عالمياً، يطلّ في تغريدات لا مجال للغضب فيها، حتى أن أحد المعلّقين سأله مرة إن كان يكرّر استخدامه له لأنه يشبهه. وما يؤكد عدم اهتمام جنبلاط بمعاني هذه الرموز، أنه حين ينشر التغريدة نفسها باللغات الثلاث، مثلاً، يغيّر «الإيموجيز» المرافقة لها. وهذا يعني أن استخدامه لها مماثل لطريقة استخدامه للهاشتاغ، أو الصورة، وحتى الـ140 حرفاً: كلّها لا تخدم وظيفتها التي رسمت لها. وكلّها لا تخدم وظيفة «تويتر» الذي أنشئ للإجابة على سؤال: ماذا يحدث (الآن)؟ ما منحه خصوصيته الإخبارية. لكن جنبلاط لا يجيب غالباً على هذا السؤال، بل يطلق العنان لتغريدات ساخرة، يمكن لـ«فايسبوك» أن يكون مكانها الأفضل، أقلّه بالنسبة لحجم النص الذي يكتبه.
فلمَ يبقَ جنبلاط، رغم كلّ ذلك، الأكثر إثارة للجدل على هذا الموقع؟
الأكيد أن جنبلاط لا يحتاج إلى «تويتر» من أجل التسويق السياسي لنفسه، أو البحث عن مؤيدين. لذا لا يجد نفسه معنياً بإتقان «التغريد» وفق الأصول. ما يعنيه كما يبدو، إلى متعته الشخصية، الحرص على الحضور الدائم، والتأكد من قدرته على فرض «أجندته» على الوسائل الإعلامية التي تقوم بهذه المهمة على أكمل وجه. فمعظمها يعيد بث تغريداته، حتى غير السياسية منها.
لذا، لا يمكن الحديث عن مهارة استثنائية لجنبلاط في التغريد، بل عن قدرته على تطويع أدوات «تويتر» لإنتاج صفحة تشبهه. لكن الأمر قد لا يستمرّ طويلاً على هذا المنوال. ذلك أن إدارة الموقع قرّرت مطلع هذا العام إضافة شرط جديد إلى «دليل الاستخدام» لن يعجب جنبلاط كثيراً. انطلاقاً من كون السياسي مسؤولاً عما يقوله، قرّر «تويتر» إتاحة مجال رؤية التغريدات الممحوة للسياسيين، في ثلاثين دولة حول العالم (لبنان ليس بينها حالياً). وهذا قد يعني حرمان جنبلاط من «هواية» اشتهر بها بين الصحافيين وهي التصريح بأمر، ثم طلب عدم نشره. أو التغريد، ثم محوه، كما فعل أول من أمس. عندها، قد يكون مضطراً إلى مضاعفة ممارسته للتأمل التصاعدي... هواية مفضلة لديه أيضاً، وفق ما يغرّد لنا.

النائب وليد جنبلاط ضيف مارسسيل غانم الليلة في «كلام الناس» 21:30 على LBCI