لم يحرّك نداء أمل أحمد الأسير أحداً للتحرك احتجاجاً على اعتقال زوجها وشيخها. استطاعت، بعيد ساعات من انتشار الخبر، تجميع خمس عشرة سيدة منقّبة وقادتهن إلى دوار مكسر العبد؛ الدوار الذي أقفله الأسير شهرين «احتجاجاً على أسر قرار الطائفة»، وسمّاه «دوار الكرامة». عبر الهاتف، وجّهت نداءات متتالية. في واحد منها أكدت أن الشيخ «أوقفوه ع مطار بيروت. أنا نزلت إلى دوار الكرامة، واقفة ولن أخرج إلا عندما يقفل ملفنا ويفرج عن الشيخ أحمد والشباب، لأنه كله ظلم بظلم». ووجهت نداءً إلى «أهل صيدا الخائفين»، دعتهم إلى أن «يخافوا من الله.
كل الناس باتت تعرف من هو أحمد الأسير وماذا فعل وقدم، ولم يخرج من لبنان إلا بعد أن خذله الكل». وخاطبتهم بصوت متهدج: «ستظلون تخذلونه. إنكم تخذلون الله». في قيظ الظهيرة، طال انتظار النسوة اللواتي قطعن الطريق بأجسادهن. تدخلت أمل مجدداً. فوجّهت نداءً «لكل أهل السنّة في لبنان». ذكّرت أهل طرابلس تحديداً بماذا عمل الأسير «لكي يرجع شباب طرابلس وعزها». وقبل أن تسمع صدى نداءاتها، عاجلتها قوة من شعبة المعلومات في صيدا، وأجبرتها مع النسوة على الخروج من الشارع. ولما تمنّعت، لم يتوانَ العناصر عن دفعهن بالقوة، فأغمي على أمل ونقلت إلى المستشفى.

حمود: الأسير صدى للمشروع التكفيري ولم يكن يمثّل أهل السنّة

غياب النصير لاقاه مؤيّدو الأسير على مواقع التواصل الاجتماعي. نشروا وصيته بصوته. يقول فيها: «لأنه ليس مستحيلاً أن أعتقل أو أقتل، ولست أفضل ممن اعتقل أو قتل في سبيل الله. لكن إذا قتلت أو أسرت، وصيتي الى إخواني في سبيل الله في العالم، لا سيما في العراق وسوريا. أناشدكم الله وأستنصركم بالله». إخوانه في العراق والشام يحضرون مجدداً بعد اعتقاله. أنصاره نشروا تحليلهم لما حصل. وجدوا أن «الشيخ لم يعد أمامه إلا الهجرة من المطار، فيحمي ظهره بإخوانه المجاهدين في العراق والشام ويعجل بدخولهم إلى لبنان مكملاً بذلك مشروعه، وبحال لم ينجح هذا الخيار فإنه يكون قد دخل وكر الأفعى ويصارع المشروع الإيراني الصفوي صادعاً بالحق من داخل الأسر».
بانتظار وصول إخوانه في داعش، الحياد طاغ بعد اعتقاله فوق أطلال مربعه الأمني السابق في عبرا. لا يُسمع ردّ فعل صريح وبصوت مرتفع لجيران المربع على أسر جارهم الذي اختار سابقاً أن يأسر يومياتهم من دون استشارتهم. مسجد بلال والمكتب وشقتا الأسير وفضل شاكر، على حالها من الهدوء الذي سيطر بعد أشهر على معركة عبرا. مساء السبت، ليلة اعتقال الأسير، سبقت قوة من المعلومات والفهود المصلين إلى المسجد. كالعادة، كانوا قلة قليلة. بضعة رجال ونسوة، كان بانتظارهم عناصر أمنيين، شبان وشابات، لاستيعاب أي تحرك. كان الأمنيون أكثر عدداً وحماسة من أهل المسجد. غادروا بهدوء. في صلوات يوم أمس، قلّ عدد المصلين أكثر في المسجد الذي استقرت أمامه دورية للدرك. كأن جيران الأسير السابقين لا يريدون الاحتفاظ بأي أثر منه. مطعم «أبو الطيب» لفضل شاكر صار صالون «أميرة» للتزيين النسائي، والمحال تحت شقة الأسير مقفلة.
توارى كثير من أنصار الأسير في صيدا إثر انتشار خبر اعتقاله. لذا، كان طبيعياً أن تحضر قوة من الأمن العام لاعتقال عبد الرحمن الشامي من محله في المدينة الصناعية في سينيق أو في منزله في جدرا ولا تجده بعد أن توارى عن الأنظار منذ ظهر السبت. ليس المتورطون في إيواء الأسير أو التواصل معه من توارى فحسب، بل أقرباؤه أيضاً. حذر غير معلن يبدو في حركة الشوارع.
التواري عن الأنظار لحق المرجعيات الصيداوية. وفيما ازدحمت المواقف السياسية المرحّبة والمعارضة في لبنان، بقيت صيدا خارج الخدمة. لم يصدر بيان عن النائبة بهية الحريري، رغم أن مكتبها الإعلامي وزّع خبراً عن برنامج مواعيد مزدحم في عطلة نهاية الأسبوع. تحدثت في استقبال نادي الروتاري ونائب رئيس مجلس النواب التونسي، لكنها لم تتنبه إلى حدث الأسير. وإن هي تجاهلت، إلا أن أمل، زوجة الأسير، خصّتها بتهم التقصير والمؤامرة في قضية موقوفي عبرا. الغياب اللافت في المواقف شمل أيضاً رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد. وحده إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمّود أصدر بياناً ذكّر فيه بأن الأسير كان «صدى للمشروع التكفيري الواسع في المنطقة»، وبأنه لم يكن يمثّل أهل السنّة، لا فقهياً ولا سياسياً ولا مصلحياً. وبرز كيف سارع المكتب الإعلامي في الجماعة الإسلامية إلى نفي تصريح نسب إلى رئيس المكتب السياسي عزام الأيوبي حول اعتقال الأسير، والتزمت الصمت على الصعد الأخرى.
هيئة علماء المسلمين أدّت الواجب كعادتها. رغم أن الجماعة الإسلامية لم تعلق، لكن الجناح المحسوب عليها في الهيئة دفع إلى استصدار بيان دعا فيه إلى الحكم بالعدل. ووجد أن «توقيف الأسيريؤكد أن الخطة الأمنية لم تطبّق إلا على الطائفة السنية». ووجهت الهيئة تحذيرها من «المساس بكرامة وسلامة اﻷسير ومن معه»، مؤكدة «ضرورة تقديم الضمانات المتعلقة بحصانة الحرمات والحريات لذويه وللرأي العام، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للبتّ بأحداث عبرا ومن كان وراءها».