القاهرة | هل انفراد التلفزيون المصري بلقاء تلفزيوني مصوّر مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط سبق صحافي بالمعنى الاحترافي للكلمة؟ السؤال قد يبدو صادماً للعاملين في التلفزيون الحكومي، الذين تباهوا بالحوار الذي أجرته الإعلامية شهيرة أمين ظهر أمس الثلاثاء، تزامناً مع وصول شاليط إلى سيناء قبل تسليمه إلى الإسرائيليين.
في كل النشرات التي بثها قطاع الأخبار ومعه قناة «النيل للأخبار»، تكرر خبر الانفراد، لكن أليس الانفراد هو ذاك الذي يحدث عندما تتنافس أكثر من قناة على الحدث ضمن فرص متساوية ومتكافئة، وتنفرد به قناة واحدة، إضافة إلى أن تحصل هذه القناة على تصريحات جديدة تنقلها باقي القنوات؟ هذان الشرطان لم ينطبقا على انفراد «ماسبيرو». طبيعي جداً أن يكون تلفزيون الدولة الراعية للصفقة صاحب السبق. لن تسمح إسرائيل لقنوات «فتح» و«حماس» مثلاً بإجراء الحوار، ولن تسمح مصر مثلاً لـ «الجزيرة» و«العربية» بالأمر نفسه. أما المضمون، فلم يأت بجديد، ربما لأن حدود الأسئلة معروفة أصلاً، بل إنّ النشطاء المصريين على فايسبوك انتقدوا أداء شهيرة أمين رغم حرفيتها ومهنيتها المشهودين لها، إذ بدت الإعلامية المصرية «سعيدة أكثر من اللازم» وهي تجري الحوار مع شاليط، كما لم تنتبه إلى ضرورة عدم طرح أي أسئلة بديهية من نوع «هل كنت سعيداً بخبر الصفقة». ربما كانت الظروف ضدها، لكن في النهاية تحول شاليط إلى حائز جائزة «نوبل» للسلام، فاكتفى بشكر مصر، وبتمنياته بأن يتحقق السلام بعد هذه الصفقة. لم يتحدث عن ظروف الاعتقال، ولا عن كيفية قضائه السنوات الخمس الذي أسر فيها، ولا عما إذا كان يريد العودة إلى الخدمة العسكرية، أو عن تغيّر نظرته إلى القضية الفلسطينية. كذلك، لم تسأله أمين عن شعوره بأنّه يساوي 1027 مواطناً عربياً... كل هذا لم يكن مطروحاً على طاولة الحوار الذي سيحاول مسؤولو التلفزيون المصري، وفي مقدمتهم وزير الإعلام أسامة هيكل، استغلاله للتغطية على أكبر حملة تقريباً يتعرض لها التلفزيون المصري في تاريخه، وربما هي الأكبر مقارنة بما حدث لـ «ماسبيرو» خلال «ثورة 25 يناير». حتى الآن، لا تزال الانتقادات تتوالى على أداء التلفزيون المصري خلال مذبحة يوم الأحد الماضي، التي راح ضحيتها 27 من المتظاهرين الأقباط. لم يسارع هيكل إلى الاستقالة، ورفض الاعتذار العلني، ونفى تهمة التحريض واكتفى بالاعتراف بوجود أخطاء من دون أن يصدر حتى الآن أي قرار يعاقب المشاركين في المهزلة الإعلامية، التي لم تشهد مصر لها مثيلاً من قبل. حتى معظم أبناء التلفزيون المصري لا يبدو عليهم الانشغال بمثل هذه الانفرادات. بالتزامن مع تغطية «ماسبيرو» لصفقة تبادل الأسرى، انطلقت احتجاجات داخل المبنى العملاق ضد لائحة الأجور الجديدة المزمع إصدارها قريباً. وتبقى في النهاية ملاحظة أخيرة قد لا يراها القائمون على «ماسبيرو» خطأً إعلامياً، لكن ربما لو جرت في قنوات أخرى، لعُدّت كذلك. بينما ظهرت على الشاشة بوضوح عبارة انفراد التلفزيون المصري بالحوار مع شاليط، لم نشاهد أيّ اهتمام بإجراء لقاءات مع الأسرى المحررين. اكتفى حامل كاميرا «ماسبيرو» بالصعود إلى الحافلة، وأخذ تصريح سريع مع كل أسير فلسطيني محرّر دون ذكر أسمائهم لا على الشاشة ولا بصوت المذيع الذي لم يره الجمهور. المبرر سيكون أنّ هؤلاء عشرات وشاليط واحد لا ثانيَ له، وهو مبرر لا يدين التلفزيون المصري وحده، بل يدين تللك المنظومة الإعلامية والسياسية التي جعلت قيمة جندي اسرائيلي توازي ألف عربي في الصفقة أو على الشاشة.