حكاية التجسس الإسرائيلي في بلاد النيل تعود الى نشوء الدولة العبرية، إذ كانت بولاند هارس، المتهمة باغتيال ضابط إنكليزي في مصر، أول جاسوسة يُكشف عنها. اعتقلتها القوات الأمنية المصرية وأطلقت سراحها في أيار 1948. وكان تجنيد العملاء وزرع الجواسيس يجري على قدم وساق مع التحضيرات لعملية السلام، وبعد التوقيع على كامب دايفيد. وفي 1982 جند «الموساد» عامر سلمان، وهو بدوي من سيناء عمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية لأكثر من 10 سنوات قبل فضح أمره. وفي بداية التسعينيات اعتقلت الاستخبارات المصرية، فائقة المصراتي، بتهمة ممارسة الدعارة ووالدها للتستر عليها. كانا يعيشان في القاهرة ويترددان على أحد أندية الطبقة الراقية في حي مصر الجديدة، ونجحا في نصب شبكة علاقات واسعة مع شخصيات مهمة، وكانت الدعارة مجرد وسيلة للحصول على معلومات عن الأوضاع في مصر لصالح «الموساد».
ويرى مراقبون أنّ مرحلة التجسس الاسرائيلي بلغت ذروتها في التسعينيات مع تخفيف قيود السفر الى الأراضي المحتلة، إذ استغل «الموساد» سفر المصريين الى اسرائيل لتجنيدهم. وفي هذه الفترة برزت قضية الجاسوس عبد المنعم عبد الملك، الذي حُكم عليه بالسجن المؤبد في 1996. وعمل عبد الملك رقيباً متطوعاً في البحرية المصرية، وأُحيل على التقاعد في 1978، وسافر الى الأراضي المحتلة في 1994، وهناك جنّده «الموساد» وكلّفه مهمة جمع معلومات عسكرية. وكشف الأمن المصري سمير عثمان، وهو مصري ذهب أيضاً للعمل في اسرائيل، حيث جُنّد للعمل جاسوساً. وقال عثمان في اعترافاته إنه كان يجمع المعلومات عبر السباحة لمسافة 500 متر أسفل مياه خليج السويس بين طابا المصرية وإسرائيل.
إضافة الى قضية الجاسوس عماد عبد الحميد إسماعيل، الذي سافر للعمل في اسرائيل، وتحول الى زير نساء مجنّد للجاسوسية من جانب ضابط «الموساد» عزام عزام. هذه الحالات وغيرها سلطت الضوء على خطورة سفر المصريين الى الأراضي المحتلة، فعمدت السلطات المصرية الى وضع قيود على السفر.
أما حكاية عزام عزام، فهي نموذج لاستغلال الكيان الصهيوني اتفاقية السلام والعمل الاقتصادي في مصر من أجل زرع جواسيسه في الداخل. وعزام هو عربي من قرية المغار في الجليل، ينتمي إلى طائفة الدروز، عمل متخفياً كمدير مصنع إسرائيلي مصري مشترك في القاهرة. وعمل من خلال عمله على تجنيد مصريين للتجسس. أصدرت المحكمة المصرية حكماً بسجنه 15 عاماً. وطرحت قضية عزام شكوكاً كبيرة في شأن عمل الاستثمارات الإسرائيلية في مصر، واعتبارها مراكز للتجسس، ودفعت النواب المصريين الى العمل على قوانين تقيد دخول الاستثمارات الإسرائيلية إلى مصر، وتمنع الإسرائيليين من إقامة مشروعات استثمارية مشتركة مع مصريين.
الجهود المصرية لمحاصرة التجسس لم تُثن الإسرائيليين عن إرسال وتجنيد المزيد من الجواسيس. وفي أواخر 2000 انفضح أمر الجاسوس المصري المهندس شريف فوزي محمد الفيلالي، الذي عمل في إسبانيا. وتخابر مع دولة الاحتلال من 1996 حتى 2000، وسلمها معلومات وتقارير عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والسياحية.
وبعد ثورة «25 يناير»، كشفت الاستخبارات المصرية أمر ضابط «الموساد»، إيلان تشايم غرابيل، الذي دخل الى مصر بعد اندلاع الثورة بغرض التجسس على الثوار. وعمل غرابيل ضابطاً في جيش الدفاع الإسرائيلي، وشارك في الحرب على لبنان عام 2006 وأُصيب خلال الحرب، ودخل مصر بجواز سفر أوروبي، وتخفّى كصحافي. وجالس الثوار في المقاهي وصادقهم، وشارك في فعاليات الثورة ورفع اللافتات.
وقبل الثورة كانت الأضواء مسلّطة على قضية الجاسوس طارق عبد الرازق. وهو عميل من الطراز الرفيع، التقى ضباط «الموساد» في 8 دول، ولم تقتصر مهمّاته على الداخل المصري فقط، بل امتدت أيضاً الى الخارج. أُوكلت اليه مهمّات استخبارية داخل الأراضى السورية، حيث أدى دور الوسيط بين عميل للموساد في سوريا، والقيادة في تل أبيب. أسّس شركتين للاستيراد والتصدير، وموقعين على شبكة الإنترنت للإعلان عن وظائف شاغرة، وهو ما أتاح له الحصول على بيانات لشباب عربي أمدّ بها الاستخبارات الإسرائيلية.
لمعرفة حجم التجسس الإسرائيلي في مصر لا بد من تسجيل شهادة الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية «أمان»، اللواء عاموس يادلين، بقوله إن «مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهاز الاستخبارات الحربية الإسرائيلية، وإن العمل في مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979».
(الأخبار)