ما كان أحد ينتظر أن تطول فترة إعادة بناء مجمع مباني مركز التجارة العالمي في مانهاتن التحتا في مدينة نيويورك عشر سنوات. وهناك تقديرات بأن الفترة قد تتجاوز 15 عاماً، بعد إلغاء الكثير من المشاريع والتخلي عن مبانٍ ذات قيمة تاريخية، مثل كنيسة للطائفة الأرثوذكسية اليونانية. طالت فترة البناء مع أن بناء البرجين، اللذين استُهدفا بالهجومين الانتحاريين، لم يستغرق سوى ثلاثة أعوام. لهذا التأخير مضاعفات نفسية ومادية، ما كان أصحاب القرار يودون مواجهتها في أي وقت.
يبدو موقع الانفجار (غراوند زيرو ـــــ التعبير الذي استخدم في الأساس لتفجير القنبلة النووية الأولى في مدينة هيروشيما اليابانية)، الممتد على 16 هكتاراً من المساحة العقارية، ورشة عمل في مجموعة مبانٍ ونصب تذكارية ومحطات قطارات الأنفاق. الورشة لا تعمل بالوتيرة والحماسة نفسيهما؛ ففي جوانب منها، هناك جهد حثيث، وفي جوانب أخرى هناك تلكؤ يصل إلى حد التراجع. والحرج شديد من تأخر الأعمال فيها لأسباب معظمها مادي والبعض منها يعود لمصاعب لوجستية وإدارية. كان الأميركيون، الذين شعروا بأنهم طعنوا في الصميم من «غزوة مانهاتن»، ينتظرون شيئين من إعادة البناء السريع: استعادة الهيبة وتأكيد قدرة الأميركي على إعادة صنع المعجزات أولاً، والثاني محو آثار الاعتداء من الذاكرة في أقصر وقت ممكن وإعادة المنظر الذي تميزت به مدينة ناطحات السحاب ببناء أبراج أعلى من تلك التي دمرت.
في يوم نكبة نيويورك عام 2001، تعهد عمدة المدينة رودي جولياني، وحاكم الولاية جورج باتاكي، والرئيس جورج دبليو بوش، إعادة بناء موقع مركز التجاري العالمي ومبانيه فوق العقار الذي تعود غالبية ملكيته لهيئة ميناء نيويورك ونيوجرسي. قال جولياني: «سنعيد البناء. وسنخرج من كل هذا أصلب عوداً من الناحيتين السياسية والاقتصادية». ولم ينس التركيز على أن المنظر العام للمدينة يجب أن يعود إلى سابق عهده.
إعادة الإعمار تمثّل بالنسبة إلى الأميركيين تحدياً لأهداف من أرادوا تدمير أكثر من المباني، كما فهم المسؤولون رسالة المرتكب. قالوا إن الفاعلين أرادوا تدمير الهيبة وضرب الاقتصاد وتحطيم الأنف. لكن الولايات المتحدة، بعد عشرة أعوام من الجهد والعمل والقتال، وبعد إنفاق زهاء تريليون دولار في مجهود حربي دُمّرت فيه دول كأفغانستان والعراق، وقُتل مئات الألاف من الأبرياء، لا تزال تعاني عقدة استعادة الهيبة. نعم، قُتل أسامة بن لادن، وأُسقط نظام طالبان ونظام صدام حسين. لكن الولايات المتحدة لم تتمكن من إعادة بناء الأبراج والمباني المحيطة، ما يجعل سكان نيويورك يزورون المكان بشعور من الزهو والانتصار وتناسي الماضي.
لكن يبقى وقع الهزيمة مسيطراً على النفوس، التي تبدو حزينة في كل ذكرى. هل يعجز أكبر اقتصاد في العالم عن إعادة بناء هذه المنطقة بالسرعة المطلوبة؟ سؤال يدور في بال المعنيين والزائرين، الذين غالباً ما يذرفون الدموع، أو يطلقون صيحات مطالبة بالثأر والانتقام. تحول موقع البناء إلى مزار لآلاف السياح. هؤلاء يتوجهون كمن يحجّ إلى مزار أو ضريح. صورة لا تشبه ما قبل الهجمات بتاتاً. كثيرون يضعون أكاليل الزهور على نصب الضحايا من الموظفين ورجال الإطفاء. وجوم وحزن يخيمان على وجوه الزائرين. إنه ليس مظهراً يوحي بأن المدينة انتصرت على نكبتها. بل يعبّر عن مدى عمق الجرح الذي تركه الحادث في النفوس. جرح لم تستطع الأيام وحروب الثأر أن تدمله.
كان يفترض أن تنبع عملية البناء من حاجة استثمارية عقارية لكي تنال المشاريع الدعم الاستثماري اللازم. لكن المستثمرين الذين اكتووا بالانهيارات، ويعانون من عزوف المصارف على الإقراض بعد تدهور سوق العقارات، لا يتحركون عادة لدواعٍ وطنية وشعارات سياسية بحتة. الكل يعرف مأزق العقارات التجارية في الحي المالي الأميركي الأول. قال لاري سيلفرستين، صاحب ضمان مكاتب مركز التجارة العالمي بعيد الهجمات: «ستكون مأساة المآسي ألا نعيد بناء هذا القسم من نيويورك. لأنه سيمنح الإرهابيين النصر الذي يسعون إليه».
مع ذلك، بعد عشرة أعوام لم يكتمل سوى مبنى واحد، هو الرقم 7 من مركز التجارة العالمي. وهناك مبنيان آخران في طور البناء، هما مركز التجارة العالمي ورقم 150 من شارع غرينتش. والمبنى الأخير يعرف برقم 4 من مركز التجارة العالمي. وهناك حديث عن إيقاف العمل بأربعة أبراج في القسم الشرقي لأسباب مالية.
وتتكون المباني الجديدة التي يجري تشييدها من برج مركز التجارة العالمي بعلو 1776 قدماً (من ضمنها هوائي استقبال وإرسال) وسيكون أطول مبنى في الولايات المتحدة. واختير العدد 1776 لدواعٍ وطنية، فهو ذكرى توقيع إعلان استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا. وهناك أيضاً النصب التذكاري للضحايا، الذي صممه الأميركي بيتر ووكر، والإسرائيلي الأميركي مايكل أراد. والنصب على شكل بستان فيه أشكال للبرجين ونوافير مياه. ومن المنتظر افتتاحه يوم غد.
متحف الفنون الذي كان مقرراً منذ 2004 يتعرض أيضاً للتعطيل وجرى تحجيمه إلى مجرد مسرح جويس، لأن شركة المسارح انسحبت منه لاعتبارات أهمها ضيق ذات اليد وضيق المساحة. كذلك تراجعت الحكومة في تموز 2008 عن إعادة بناء الكنيسة الوحيدة التي دمرتها الهجمات.