كان الفلسطينيون في 11 أيلول 2001 يستعدون لإحياء الذكرى الأولى للانتفاضة الثانية، التي اندلعت في 28 أيلول 2000 إثر دخول رئيس حزب الليكود آنذاك، أرييل شارون، إلى المسجد الأقصى. كانت الانتفاضة في ذروتها، وأصداؤها تشغل الشارع العربي من محيطه إلى خليجه، غير أنها فجأة أصبحت على هامش الحدث بعدما تصدرت الشاشات مشاهد الطائرات وهي تصطدم في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك.
غير أن البقاء على الهامش لم يدم طويلاً، بعدما سارعت إسرائيل إلى ركوب موجة «الحرب على الإرهاب» لتصوير الفلسطينيين ومقاومتهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المنظومة التي يسير تنظيم «القاعدة» في ركبها، مستفيدة من العمليات الاستشهادية التي كان المقاومون الفلسطينيون ينفذونها ضد أهداف إسرائيلية خلال الانتفاضة وقبلها.
الولايات المتحدة لم تكن بحاجة إلى التحريض الإسرائيلي على الفلسطينيين، ولا سيما في ظل الإدارة الجمهورية برئاسة جورج بوش الابن واليمين المتصهين الذي كان يهيمن على السياسة في تلك الفترة. فإدارة جورج بوش سارعت، منذ اليوم الأول لتوليها الحكم، إلى سحب يدها من عملية التسوية، التي أولتها إدارة بيل كلينتون كل اهتمام طوال السنوات الثماني لحكمه. حجة الإدارة الجديدة كانت ترتيب ملفات البيت الداخلي، الذي دخلت أحداث أيلول في صلبه، ليتحول اهتمام الإدارة من الداخل إلى الخارج بنحو عمّ معظم دول العالم، ولا سيما الشرق الأوسط.
الفلسطينيون لم يكونوا بعيدين عن التحوّل بالسياسة الأميركية، وخصوصاً بعدما تبنى جورج بوش رؤية أرييل شارون، باعتبار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أنه «إرهابي»، رغم أن الأخير كان قد سارع إلى إعلان التضامن مع الأميركيين، والكثيرون لا يزالون يتذكرون صوره وهو يتبرع بالدم لضحايا الهجوم في الولايات المتحدة.
لم تدخل الأراضي الفلسطينية مباشرة في صورة الحرب على الإرهاب، لكنها كانت ضحية مكتومة، وصورها جاءت في الخلفية وفق الذرائع نفسها التي شن خلالها الرئيس الأميركي الجمهوري حربه الأولى في أفغانستان، ومن ثم الثانية في العراق. لم يجهّز بوش جيوشه للدخول إلى الأراضي الفلسطيني، على اعتبار أن المهمة كان يقوم بها أرييل شارون على خير وجه. يكفي أنه صدّق على عزل أبو عمار وقطع أي اتصال معه، وهو ما لحقه به تباعاً الزعماء العرب الذين يدورون في الركب الأميركي، وتكفّل الجيش الإسرائيلي بالباقي.
لم ينتظر أرييل شارون طويلاً قبل أن يدخل في حربه الخاصة على «الإرهاب». ففي 29 آذار 2002، فجّر الاستشهادي عبد الباسط عودة، من «كتائب عز الدين القسام»، نفسه في وسط فندق بارك في نتانيا قرب تل أبيب، ليقتل 30 إسرائيلياً. العملية كانت الذريعة التي اتخذتها إسرائيل لشن عدوان «السور الواقي» على الضفة الغربية، ومحاصرة الزعيم الفلسطيني في مقر المقاطعة في رام الله. حصار لم ينته إلا بخروج أبو عمار مريضاً إلى فرنسا، حيث توفي بظروف غامضة، ما سمح بتغيرات بالسلطة ترضى عنها إدارة بوش، التي كانت قد رعت إضعاف موقع عرفات على حساب استحداث منصب رئيس وزراء تولاه في الفترة الأولى محمود عبّاس (أبو مازن) ثم أحمد قريع (أبو العلاء)، بعد الخلاف الذي استعر بين عرفات وعبّاس.
سياق أحداث غير مرتبط مباشرة بأحداث 11 أيلول، غير أنه استلهم من سياقاتها التالية، ولا سيما الحرب على الإرهاب، التي أدرجت المقاومة الفلسطينية، العسكرية والسياسية، تحت بندها، ولا تزال.