هذا الصباح تدبّ الحياة في مكاتب القبس كليلةً، يجللها حزنٌ يسكن القلوبَ، وحسرةٌ تغالب الأنفس. ثمة عزيز رحل. القبس اليوم من غير سهيل عبود.من غير سهيل عبود، تفتقد الصحافة والقبس أحد الذين حملوا لواء المهنة بشرف ونكران ذات، وثقة، لم تهن نفسه يوماً، ولا تخطت المغريات أذنيه. زملاء كثر سيشعرون اليوم بمقدار الخسارة في غيابه، هو الذي كان مرجعاً للعديد منهم، لا يبخل بمعلومة ولا يتوانى عن عون أو يجفل أمام المسؤولية. صديق محب ورفيق درب وحلم مشترك، لا يخل برفاقه الهامة الكبيرة، الموسوعي الاطلاع، العميق المعرفة والفكر الحر، المعطاء بلا حدود،

المتابع من غير كلل، الصادق بلا تكلف، الجريء الصريح. المتمسك بالحرية والعدل والتقدم. الإنسان، بكل ما في الإنسانية من نخوة ومحبة، ذلكم كان هذا السهيل، الذي كان حتى الأمس تشع طيبة نفسه، فتغمر مَن حوله، ويفيض دماثة ورفعة خلق، يجمع بين الصلابة واللين، وقد جُبل من طينة الطيبين، حتى إذا ما رحل تجسد غيابه في خسارة كل هذه الشمائل التي قلما اجتمعت في شخص واحد.
بعيد العاشرة بقليل من ليل الجمعة ـــــ السبت، غادر سهيل مكتبه لآخر مرة، بعد أن اطمأن ـــــ كعادته دوماً ـــــ إلى أن الجريدة سلكت طريق الطباعة بأمان. ضرب مواعيده المعتادة للقاءات الصباح واليوم التالي، وفاتَه أن القدر اختار موعده مع الموت، كما الريح تختار لحظة أن تعصف بالسراج المضيء فتطفئ جذوته.
ذهب سهيل إلى موعد لم تكن له يد فيه. ولربما أنه لو علم بذلك، لردد كلمته الشهيرة: «بسيطة». كانت تلك كلمته التي التصقت به. يقولها رأياً وموقفاً، تهويناً على الآخرين واستصغاراً للمشاكل الكبيرة. كان على ثقة من قدرته على المواجهة، بجلد واعتماد على النفس. لكن، يا سهيل، خسارتك ليست بسيطة. دهمته سكتة قلبية في السادسة صباحاً وهو في سريره، وترك الألم يعتصر كل من يعرفه. وخلّف لـ«القبس» خسارة شخصية وإنسانية ومهنية، وترك مكاناً سيكون من الصعب شغله.
وهو سكرتير تحريرها منذ 1993.