تحاول عدّة برقيات صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق معرفة أيّ من التنظيمين السوريين المعارِضين، «جبهة الخلاص الوطني» أو «إعلان دمشق»، هو الأقوى داخل سوريا؟. لكن تبدو هذه المهمة صعبة، بما أنّ الأجوبة جاءت متناقضة، لذلك ركزت السفارة على محاولة استقراء مدى إمكانية اتفاق هذين التكتلين لتأليف جبهة معارضة موحّدة. لكن أيضاً هذا الاحتمال يبدو ضئيلاً بحسب جولة الأسئلة التي وجهتها السفارة إلى عدد كبير من المعارضين السوريين. وتنقل البرقية [06DAMASCUS1357] بعض الأجوبة المتناقضة لأركان «إعلان دمشق» حيال الموقف من «جبهة الخلاص» بين مرحّب بها ورافض لها.
وأمام عجز السفارة عن تحقيق إجماع المعارضين حيال تقويم عبد الحليم خدام، تمكّنَت من تلمُّس رغبة عامة لدى قيادات «إعلان دمشق» إزاء عدم مهاجمة «جبهة الخلاص» ما دامت لا تتعارض مع أهداف «الإعلان»، رغم تشديد معظم رموز المعارضة على فساد خدام، وانتهازية الإخوان المسلمين. وحين فكّر بعض المعارضين السوريين في مدّ خطوط تواصل بين «إعلان دمشق» و«جبهة الخلاص»، فكروا بالتواصل مع الإخوان المسلمين لا مع خدام [06DAMASCUS4877].
وفي السياق، يكشف أحد مصادر السفارة الأميركية أنّ مراقب الإخوان، علي صدر الدين البيانوني، أبلغه بأنّ أحد الدوافع التي أدّت بالإخوان المسلمين إلى تأليف «جبهة الخلاص الوطني» مع خدام هو أنّ «إعلان دمشق يسير ببطء شديد» [06DAMASCUS1698].

خدّام المنفتح على الإسلاميّين

في تعليقها على نوعية العلاقة التي تجمع بين عبد الحليم خدام والبيانوني، تعترف البرقية 06DAMASCUS1754 بأن معلوماتها محدودة على هذا الصعيد، مشيرة إلى أن تقديرها يفيد بأن العلاقة التي تجمع بينهما هي علاقة شراكة، وخصوصاً أن خدام، حتى عندما كان ركناً من أركان نظام البعث، عُرف عنه انفتاحه على التيارات الإسلامية السنية، من ضمنها مجموعات مؤيدة لجماعة «الإخوان المسلمين».
وتلفت البرقية إلى أن خدام كان يمثل جناحاً داخل حزب البعث ملتزم أيديولوجياً بمبدأ أن من الضروري للبعثيين والقوميين العلمانيين أن يكون لهم صدىً في الأوساط الإسلامية السنية.
ومن هنا، تخلص الوثيقة إلى أنه ليس غريباً على خدام أن ينفتح على البيانوني والإخوان عموماً. اعتراف آخر مفاده أن السفارة لا تعرف ما إذا كان خدام والبيانوني قد تبادلا التنازلات قبل أن يعلنا تأسيس جبهة الخلاص أم لا، لافتة إلى أن جلّ ما تعرفه هو أن للرجلين أولوية قصوى هي التخلص من نظام بشار الأسد.

جبهة الخلاص «خطأ»

وتصل اهتمامات السفارة لمحاولة معرفة ما إذا كان عمل الإخوان المسلمين مع خدام قد أضعف كلّاً من النائب السابق للرئيس السوري والبيانوني.
وفي السياق، ترصد البرقية نفسها مجموعة من آراء لمصادرها، بعضهم وصفوا التحالف بين الرجلين بأنه «خطأ»، حتى إن البعض أكّد أن الإخوان المسلمين السوريين خسروا نصف مؤيديهم نتيجة لتحالفهم المذكور مع خدام. أما عن مدى استعداد خدام والبيانوني للجوء إلى العنف لقلب نظام الأسد، فتلفت البرقية إلى أن لا أدلة لديها على وجود مثل هذا التوجه.
حتى إن بعض مصادر السفارة يعربون عن عجزهم عن تصوُّر كيف يمكن هاتين الشخصيتين تغيير النظام من دون تدخل أجنبي، في ظل امتناع السعودية عن تقديم الدعم الإعلامي خصوصاً لخدام.
ويكتب القائم بأعمال السفارة الأميركية في دمشق، ستيفن سيش «من الواضح أن خدام والبيانوني يأملان أن يتهم تقرير (الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) سيرج براميرتس، مسؤولين سوريين رفيعي المستوى بالجريمة، وهو ما من شأنه أن يهزّ أسس النظام».
كذلك تحاول البرقية [09DAMASCUS477] تقويم وضع «إعلان دمشق» وحركة «العدالة والتنمية» الإسلامية المعتدلة في عام 2009، فتصف «الإعلان» بأنه لم يوُلَد حزباً سياسياً، بل مظلةً تضم تنظيمات وفرقاً عديدة. وتشير البرقية إلى أن «الإعلان» يحمل عيباً تأسيسياً وهو الانقسامات الداخلية بين حلفاء متباعدين: كالأكراد والإخوان المسلمين، وبعض الليبراليين والقوميين الاجتماعيين والشيوعيين وآخرين. وتلفت البرقية إلى أن فشل جماعة «العدالة والتنمية» الإسلامية في إقناع الإخوان المسلمين بأن يكونوا فاعلين بالمشاركة تنظيمياً، ومن ناحية التخطيط داخل «إعلان دمشق» يجسّد آخر معارك «الإعلان» لمحاولة مدّ الجسور بين ما قد يكون من المستحيل وصله من نواحي الرؤية الفلسفية والسياسية بين التنظيمين الإسلاميين (الإخوان المسلمين والعدالة والتنمية). وتتفق السفارة مع ما يقوله لها أحد المعارضين عن أنّ «العدالة والتنمية» تملك وحدها الوضوح الكافي داخل سوريا لحشد التأييد لـ«إعلان دمشق» في الشارع، قبل أن يحذّر كاتب البرقية الدبلوماسية من أنّ النجاح التنظيمي لـ«العدالة والتنمية» لحدّ الآن يمكن تفسيره أفضل بأنه نتيجة لعلاقاتها مع «إعلان دمشق» ومع الحكومة الأميركية.
وهنا اعتراف بأنه يصعب التأكد أن لهذه الحركة الإسلامية تأثيراً حقيقياً وجدّياً داخل سوريا وخارجها، لدرجة أنّ نفوذ «الإخوان المسلمين» في «إعلان دمشق» قد يغطّي على «العدالة والتنمية»، «لذلك، ليس غريباً أن نجد شخصاً كأنَس العبدة، الذي يرأس لجنتي إعلان دمشق والعدالة والتنمية في لندن، يتردّد عندما طُلب منه الاتصال بالإخوان المسلمين»، على حدّ تعبير كاتب البرقية المذكورة أعلاه.