تمتعت السعودية بعلاقات جيدة مع الحكومة اليمنية والقبائل طوال السنوات الماضية، لكن حسن العلاقة لم يكن من دون ثمن مادي كبير، استخدمته السعودية لشراء ولاء القبائل وضمان انصياع الحكومة اليمنية لها. وتظهر الوثيقة رقم (08SANAA1053) الصادرة عن السفارة الاميركية في صنعاء، بعض أسلوب التعاطي السعودي مع اليمنيين، إضافة إلى انتقاد اليمنيين للسعوديين. ووفقاً للوثيقة المؤرخة في ١٨ حزيران ٢٠٠٨، فإن السعودية استغلت قرب الممكلة من اليمن وتاريخهما المشترك، ولا سيما أن الكثير من القبائل اليمنية تربطها علاقات مصاهرة مع القبائل السعودية، وقدمت مبالغ مالية لشيوخ اليمن مقابل الحصول على المعلومات، لضمان سيطرتهم على السياسات المحلية وكسب ولاء الشيوخ وقبائلهم.

وفي السياق، نقل مالك صحيفة «الأيام»، بشار باشراحيل، للدبلوماسي السياسي في السفارة الأميركية أن شيخ قبائل حاشد الراحل، الشيخ عبد الله الأحمر، كان يتلقى مبالغ طائلة من الحكومة السعودية، متحدثاً عن أن هذه المبالغ تدفع الى ابنه الشيخ حسين عبد الله الأحمر.
بدوره، أكد النائب اليمني، نبيل باشا، هذا الأمر، لافتاً إلى أن نجل الشيخ عبد الله، حسين، كان يتلقى ٣ إلى ٤ مليارات ريال يمني (بين 14 و18 مليون دولار) شهرياً ـــــ أقل مما كان يتلقاه والده الراحل، والذي قيل إنه كان يتلقى مبلغ 7 مليارات ( قرابة 32 مليون دولار) في الشهر .
من جهة ثانية، تطرقت الوثيقة إلى مطامع السعودية في اليمن، وتحديداً النفط. وتشير الوثيقة إلى أن أحد الدبلوماسيين البريطانيين في اليمن أبلغ دبلوماسياً سياسياً أميركياً أن السعودية ترغب في إنشاء خط أنابيب نفطي، تملكه وتشغله وتحميه، على أن يمتد من حضرموت الى مرفأ في خليج عدن، مروراً بالخليج العربي ومضيق هرمز. وبعدما أوضحت الوثيقة أن صالح لطالما عارض هذا الأمر، أشار الدبلوماسي البريطاني إلى أنه من خلال دعم السعودية للقيادة العسكرية اليمنية، ودفعها مبالغ مقابل ضمان ولاء الشيوخ لها ولجوئها إلى وسائل أخرى، فإنها بهذه الطريقة تحرص على أن تنال حقوقها في الحصول على خط الأنابيب، مقابل الثمن المناسب من وريث صالح.
وتعمّد السعودية اللجوء إلى المال وسيلةً رئيسية لشراء ولاء اليمنيين، جعل العديد منهم مقتنعين بأن «العرب من جنسيات مختلفة، بمن فيهم السعوديون، ينظرون إليهم كشعب متخلف وغير متحضّر». وعلّق قائد مطار البديع العسكري اللواء حنظل على هذا الأمر بالقول إن السعوديين يتعاملون مع اليمنيين كمواطنين من الدرجة الثانية، فيما تظهر الوثيقة أن هذا التصنيف قد يطال شخصيات من المستوى الرسمي أيضاً. وهو ما أوضحه الشيخ محمد ناجي الشايف للسفير الأميركي في اليمن، مشيراً إلى أن آل سعود قد «عبثوا مع صالح سابقاً، لكنهم باتوا يعرفونه الآن». ووفقاً للوثيقة، بعدما كان الرئيس اليمني يسعى الى التقرب من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز «وجد صالح نفسه يقوم بزيارات رسمية الى السعودية للقاء ولي العهد الأمير سلطان بدلاً من الملك». وتأكيداً «لانصياع الرئيس اليمني للسعودية»، أعطت الوثيقة مثالاً عن كيفية تراجع مستوى تمثيل اليمن في القمة العربية في سوريا، بعدما تحدثت السعودية للحكومة اليمنية، وهو ما دفع السفارة الأميركية إلى القول «إن نية اليمن بالانصياع الى مطالب السعودية تستحق دراسة أعمق من قبل الحكومة الأميركية، عند محاولاتنا زيادة مصالح الحكومة الأميركية في اليمن».
في غضون ذلك، تتحدث الوثيقة عن اللواء علي محسن الأحمر بوصفه أحد المتنافسين لخلافة صالح، لافتةً إلى تعمده، منذ فترة طويلة، تجنيد جنود سلفيين لمحاربة الحوثيين في صعدة، وموضحةً أن علي محسن يعتبره الكثيرون سلفيّاً.
كذلك نقلت الوثيقة عن أمين حزب «الحق» المحظور في اليمن، حسن زيد، قوله لأحد الدبلوماسيين السياسيين والاقتصاديين في السفارة، إن حزب الإصلاح المعارض أصبح سلفيّاً بمعظمه مع قلة قليلة من الرموز المعتدلة. أما عن أسباب انتشار السلفية، التي توقّع عضو المؤتمر الشعبي العام محمد أبو اللحوم في حديث مع دبلوماسي السفارة الأميركية أن تصل أعداد الجوامع التابعة لها الى 1500 في العاصمة وحدها، فشرحها الناشط في لقاء الاحزاب المشترك محمد متوكل.
وأوضح متوكل أن صالح يسعى الى زيادة انتشار التعاليم السلفية في اليمن لأن السلفيين يعتقدون أنه ما دامت الحكومة إسلامية الطابع، فلا يجب على المسلمين إسقاطها، فيما التعاليم الزيدية تحث أنصارها على إطاحة أي حكومة تفشل في إحقاق العدل. ووفقاً للوثيقة، يعتقد متوكل، كآخرين من مصادر السفارة، أن الحكومة اليمنية تنظر الى الوجود السلفي كقوة مهدئة في بلد يواجه الاضطرابات في الشمال والجنوب.
من جهة ثانية، تظهر وثيقة ثانية (09SANAA2155) مؤرخة في ٢ كانون الأول ٢٠٠٩ أن الوسيط بين الحوثيين والسلطات اليمنية، حسن زيد، مقتنع بأن الحرب السادسة في صعدة، التي دخلت السعودية طرفاً فيها، إلى جانب السلطات، أملاً في القضاء على الحوثيين، هي في الواقع حرب داخلية بالوكالة بين الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وسماسرة السلطة، وخصوصاً اللواء علي محسن الأحمر الذي سيتحدى ترشح نجل الرئيس اليمني أحمد علي للانتخابات الرئاسية.
وفي السياق، لفت زيد إلى أن علي محسن الأحمر وآل الأحمر، نجحوا في إقناع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بأن صالح لم يشن الحرب في صعدة بهدف هزيمة الحوثيين، بل لإضعاف المنافسين المحتملين عندما يسعى نجل صالح أحمد علي ليحل محل والده في رئاسة البلاد. وأوضح زيد أن علي محسن وآل الأحمر أخبروا الملك عبد الله أن صالح يقدم السلاح للحوثيين، حتى يضطر خصم نجله، علي محسن الأحمر، إلى إنفاق كميات هائلة من موارد البلاد البشرية والمالية والعسكرية لإلحاق الهزيمة بهم. وبعدما لفت زيد إلى أنه قد لا يكون ما قيل عن صالح صحيحاً، أكد أن علي محسن وآل الأحمر نجحوا في أقناع الملك عبد الله بهذه المزاعم.
كذلك أكد زيد أن الرئيس اليمني لن يشعر بالثقة بفرص نجله لخلافته ما دام علي محسن قوياً، مشدداً على أن صالح سيسعى «إلى إضعافه واستنزاف موارده، من خلال هذه الحرب المكلفة»، لافتاً إلى أنه «ما دام صالح قادراً على تمويل حملته العسكرية من الأصول السعودية، ومستفيداً مالياً مما تدفعه السعودية، في الوقت الذي يضعف فيه منافسوه، فإن من مصلحته مواصلة الحرب».



قلق من السلاح


أعربت سفارة الولايات المتحدة في اليمن، في وثيقة تحمل الرقم (09SANAA2052)، عن قلقها من دعم النظام اليمني بالسلاح. ورأت أن كمية الأسلحة التي تقدمها السعودية وعلى الأقل دولة مجاورة أخرى، الإمارات العربية، للحكومة اليمنية تضرّ بالولايات المتحدة، وهي مصدر قلق شديد، معتبرةً أن تدفق هذه الموجة من الأسلحة إلى اليمن في الوقت الذي يغرق فيه هذا البلد بالأسلحة، سوف يشجع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح (الصورة) على مواصلة رفض أي اقتراح لمحاولة إيجاد حل تفاوضي في الصراع مع الحوثيين، ويطيل الجهود العسكرية الخرقاء. كذلك أبدت الولايات المتحدة خشيتها أن من شبه المؤكد أن الكمية الكبيرة من الأسلحة المتوافرة ستجد طريقها إلى سوق السلاح المزدهرة في اليمن، أو يعاد تصديرها، واصفةً الأمر بأنه عادة تقليدية لحكومة صالح، متسائلة في الوقت نفسه «من هناك، هل يستطيع أي شخص تخمين أين ستقع هذه الأسلحة، وربما حتى في أيدي جماعات متطرفة عازمة على مهاجمة المصالح الغربية في اليمن، بما فيها السعودية والدول المجاورة في الخليج، وهو ما رأت الوثيقة أنه مثير للسخرية». وتضيف الوثيقة «يمكننا أن نتفق جميعاً على أن الحوثيين هم عنصر عدم استقرار في اليمن، وأن الحكومة اليمنية تقع على عاتقها مسؤولية الدفاع عن أراضيها ضد المتمردين المسلحين، كذلك كيف تختار الحكومة اليمنية أن تفعل ذلك هو موضوع قابل للنقاش».
أما موضوع ما إذا كان الحوثيون، كما تدّعي الحكومة اليمنية وجيرانها السنّة، الأداة التي اختارتها إيران لإيجاد موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية، فرأت السفارة أنه لا يزال غير واضح، مع أن حقيقة أنه بعد خمس سنوات من الصراع ليس هناك أي أدلة دامغة على التورط الإيراني يجب أن تدفعنا لعرض هذه الادّعاءات مع بعض الشكوك.