هو سعد الحريري، كما يعرفه الجميع، ولكن بعيون صديقه جيفري فيلتمان. ولد وبفمه ملعقة ذهب. مارس طوال عمره عادات «النبيذ والنساء والأغاني» إلى أن ورث زعامة السنة عن أبيه، كما مستشاروه، من دون سابق إنذاريوم 13 حزيران 2006، أرسل السفير الأميركي في بيروت، جيفري فيلتمان، برقية (تحمل الرقم 06BEIRUT1915) إلى وزارة خارجية بلاده، تتضمن معلومات عن النائب سعد الحريري، بناءً على أسئلة كانت قد وجهتها الخارجية إلى السفارة في عوكر. في ما يأتي، أبرز ما ورد في البرقية التي تكشف نظرة فيلتمان إلى شخصية رئيس تيار المستقبل والمحيطين به، والمؤثرين فيه، إضافة إلى علاقاته السياسية.

الحريري، بحسب فيلتمان، منفتح وودود وحميم عامة، ويمكن المسؤولين الأميركيين أن يتواصلوا معه بسهولة (عندما يكون في بيروت). بسبب تعليمه الذي تلقاه في جامعة جورجتاون، وإجادته للغة الإنكليزية، فإنه يعتمد بسهولة مقاربة على الطراز الأميركي لزواره الأميركيين (فيما يعتمد سلوكاً أقرب إلى «السعودي» مع زواره العرب التقليديين، أو هكذا قيل لنا). هو عرضة للغضب السريع، وخاصة عندما يتعرّض للانتقاد. وعندما يغضب، يعبس ويقطع النقاش. هو حساس خصوصاً تجاه الإشارات الفوقية التي تظهر على من يشك في أنهم يرونه غير ذي خبرة.
يضيف فيلتمان أن الحريري لا يستطيع التركيز طويلاً على موضوع واحد. فهو ينتقل من نقاش إلى آخر، ويسرع من عنوان إلى عنوان ثان. ومن النادر أن يستمر الحريري بعنوان واحد لأكثر من دقائق، وينخرط في «نشاطات متعددة»، إذ يستمر «بتبديل القنوات التلفزيونية على الشاشة المسطحة (التي هي كغيرها من ممتلكات الحريري ضخمة جداً)، يقطع السيجار ويتصل بمساعديه، كل ذلك خلال محاورة محدّثيه. وكوالده، يضيف فيلتمان، فإن سعد الحريري يظهر ثقة فائقة بالنفس. وغالباً ما يجيب من يسأله عن التكتيكات التي سيتبعها بالقول: لا تقلق (don’t worry). يتهمه البعض بالثقة الزائدة بالنفس، فيما يشير آخرون (ممن يؤدّون دور المحللين النفسيين الهواة) إلى أن ادّعاء الثقة بالنفس ليس سوى قناع يخفي الحريري وراءه شعوره بانعدام الأمان الناتج من اضطراره إلى تسلّم مقاليد القيادة، من دون أن يكون متوقعاً ذلك.
ويلاحظ فيلتمان في تقريره أن الحريري يفقد صبره بالتحديد عندما يُثار معه موضوعان رئيسيان: يتعلق الأول بالشخصيات السنّية الرئيسية الأخرى في البلاد. أما الثاني، فهو الذي يتحدث عن الهواجس المسيحية المتصلة بما يحصل عليه السنّة المؤيدون للحريري في الدولة اللبنانية. ويضرب فيلتمان مثلاً على ذلك بالقول إن الحريري يتجاهل نصائح السفارة الأميركية بشأن التشاور مع حليفيه السنيّين في طرابلس، مصباح الأحدب ومحمد الصفدي. وعندما قال له فيلتمان ذات مرة إن استمراره بتجاهل طرابلس سيدفع حلفاء سوريا إلى ملء الفراغ، أجاب الحريري: «أنا الزعيم السنّي لطرابلس». وبالنسبة إلى مخاوف المسيحيين من التمدّد السنّي/ الحريري داخل السلطة، يجيب رئيس تيار المستقبل باتهام «الموارنة بأنهم متطلّبون ومصابون بجنون الشك (paranoid)». ويلفت فيلتمان إلى أن الحريري يرفض البحث في الانطباع السلبي الذي يخلفه أحد مستشاريه لدى المسيحيين ولدى رئيس لجنة التحقيق الدولية، سيرج براميرتس. ويعلّق فيلتمان على ذلك بالقول: نحن نتساءل عمّا إذا كان ذلك يشير إلى عدم قدرته على النظر بصدق إلى نوعية الأشخاص الموجودين في الدائرة الضيقة المحيطة به.
ويخصص فيلتمان واحدة من فقرات تقريره «للشائعات التي تتحدث عن حياة الحريري الشخصية: عدة عشيقات، عادات الشرب غير اللائقة، السلوك الطائش، إلخ..». يقول فيلتمان إنه لم يعاين أي دليل على استمرار سعد الحريري بسلوكه هذا منذ بدئه بالعمل العام. وينقل السفير الأميركي عن سمير جعجع قوله إنه لاحظ أن الحريري قدّم في إحدى المآدب في قريطم، إلى جانب المشروبات غير الكحولية، «نبيذ الأرز» (ساكي). وأشار فيلتمان إلى أن طائرة الحريري الخاصة تحوي «مجموعة مثيرة للإعجاب من نبيذ شوفال بلان». يضيف فيلتمان: إذا كان سعد يستمر بعادات «النبيذ والنساء والأغاني في هذه الأيام، فإنه يفعل ذلك بعيداً عن الأعين في بيروت أو خلال رحلاته الخارجية».
ويرى فيلتمان أن الحريري يحاول الإيحاء بأنه الشخص الذي «يتعامل في الأمور الكبرى، تاركاً لغيره الاهتمام بالتفاصيل». فهو، على سبيل المثال، لم يناقش الرئيس فؤاد السنيورة في أسماء الوزراء، ولم يعترض على توزير طارق متري، رغم أنه لم يكن يثق به. ويقول فيلتمان إن الحريري ينظر إلى نفسه كقائد، و«الأول» بين قادة لبنان. وعندما يلتقي مناصريه، فإنه يحاول تحريك المشاعر الشعبوية.
وبرأي فيلتمان، فإن موقع سعد، كابن لرفيق الحريري، له سلبياته وإيجابياته في آن معاً. فالحريري الابن ورث عن والده منظومة مالية وسياسية فعالة، وعلاقات دولية واسعة. كذلك فإنه يتمتع بتعاطف ودعم شعبيين بين اللبنانيين (حتى خارج السنّة) بسبب اغتيال والده. أما السلبيات، فخلاصتها بحسب فيلتمان أن «سعد ليس رفيق». فالتوقعات بشأن دوره ومقارنته بدور والده تقود إلى «خيبة أمل». فسعد يفتقر إلى المعرفة المحلية الأساسية التي كانت موجودة لدى والده. كذلك فإن الحريري الابن لم يعد يتمتع بالثروة ذاتها التي كانت موجودة بين يدي والده، إذ قُسّمت بعد اغتيال الأخير على 6 أشخاص.

«الديوان الملكي»

ينتقل فيلتمان إلى الحديث عن محيط الحريري، فيشبّهه بـ«ديوان ملكي»، حيث يكثر الموظفون والانتهازيون. أما من يشاطرون سعد التفكير السياسي، فهم أربعة: سليم دياب وهاني حمود ووسام الحسن وغطاس خوري. ورغم تخلّصه من عدد من المحيطين بوالده، فإن الحريري ورث المستشارين الأربعة عن الرئيس الراحل، علماً بأن الحسن يؤدي دوراً قرب سعد أكبر من الدور الذي كان يؤديه إلى جانب الحريري الأب. سليم دياب هو الأكثر استقلالية بين الأربعة، بحسب فيلتمان، لكونه رجل أعمال ثرياً. ولاحظ فيلتمان أنه أحد الوجوه البيروتية القليلة التي وقفت إلى جانب عائلة الحريري «الطارئة» على العاصمة. أما هاني حمود، فيرى فيه فيلتمان «محرك» تيار المستقبل، لكونه لا يرى حلولاً للمشكلات سوى في التظاهر، متحدثاً عن «غيرته» من مستشارة الحريري، أمل مدللي.
أما وسام الحسن، فيُذكّر فيلتمان بأنه كان مسؤولاً عن أمن الرئيس رفيق الحريري، وأنه «غاب عن موكب الحريري يوم اغتياله، ما فتح الباب أمام كل أنواع نظريات المؤامرة». كذلك يشير التقرير إلى أن الحسن هو شخصية «غير موثوقة، ومكروهة من الشخصيات اللبنانية الأخرى، وبينها قادة 14 آذار ووليد جنبلاط». إلا أن الحريري «الذي يزعم أنه فحص ولاء الحسن وخلفيته» يدافع دوماً عن مستشاره.
إضافة إلى هؤلاء، يكمل فيلتمان، يحيط الحريري نفسه بالنائب الشيعي باسم السبع ونائب رئيس مجلس النواب الأرثوذكسي فريد مكاري. وخلال الأسابيع الأولى من هذا العام، تحدث مكاري عن عدد من التهديدات الأمنية المجهولة ليبرر نقل مسكنه إلى منطقة قريطم. «وبما أنه لا أحد من هؤلاء يملك تأثيراً بارزاً داخل طائفته، فإن لديه شعوراً بأنهما يؤديان دور الرفقة اللاهية والموافقة دوماً (yes-men) أكثر مما يؤديان دور المستشارين الجديين». كذلك يبدو أن سعد يأخذ بنصيحة الوزير مروان حمادة بجدية، رغم ملاحظتنا أنه يستخدم غطاس خوري لا حمادة لتبادل الرسائل مع جنبلاط.
أحد الأسرار بالنسبة إلى فيلتمان هو التأثير الذي تملكه نازك الحريري على رئيس تيار المستقبل. لكنه يجزم بأن أيّاً من إخوة رئيس حكومة تصريف الأعمال (بهاء وهند وفهد وأيمن) لا يملك تأثيراً سياسياً عليه. وما يثير اهتمام فيلتمان أيضاً هو الأشخاص الذين لا يعتمد عليهم سعد الحريري، كالمستشارين المقرّبين لوالده، فؤاد السنيورة وبهيج طبارة. فالحريري، بحسب السفير الأميركي، لا يعتمد على السنيورة في الاستشارات السياسية. أما طبارة، فلا يزال يملك بعض التأثير غير المباشر، من خلال صلته بنازك الحريري، إلا أن العلاقة المباشرة غير موجودة بينه وبين سعد.
العلاقة «المتوترة» بين الحريري والسنيورة تؤرّق فيلتمان. يصفها بأنها تحولت إلى مسألة «كرامة». فالسنيورة يشكو من كون الحريري يتعامل معه كموظف، فيما الحريري يرى أن السنيورة يتعامل معه كطفل. وينقل فيلتمان عن عدد من القادة اللبنانيين المشاركين في طاولة الحوار قولهم إن الحريري يتوجه إلى السنيورة خلال مشاركتهما في الحوار بلغة فوقية، مخاطباً إياه باسمه الأول: «فؤاد... أقصد (ضاحكاً) دولة الرئيس..». ويصفون التصحيح بأنه «مسرحي». وفيما ينفي سعد ذلك قطعاً، فإن عدداً كبيراً من الأشخاص يؤكدون أن الحريري «يغار» من الاهتمام والاحترام الدوليين اللذين يحظى بهما السنيورة، «وقد تكون نازك سمّمت نظرة سعد إلى السنيورة».
وبعد أن يورد فيلتمان رأيه في علاقة الحريري بكل من جنبلاط وجعجع ونسيب لحود، ينقل عن سعد امتعاضه من بطرس حرب ونائلة معوّض، لكونهما «مسيحيين إلى حدّ يتخطّى إمكان أن يكونا جيّدين للبنان» (too Christian to be good for Lebanon).
أما ميشال عون، فهو الأكثر سوءاً في عيني سعد الحريري. يبقى الشيعة. فرغم كونهم لبنانيين، فإن الحريري يراهم «مختلفين، وتهديداً محتملاً». ويعتقد فيلتمان أن علاقة القائد الشاب بقادة الشيعة محكومة برغبته في تفادي التوتر السني ـــ الشيعي.
(الأخبار)