بدأ القلق الإسرائيلي من مراكمة حزب الله لقدراته العسكرية فور انتهاء عدوان تموز. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في حينه، الجنرال عاموس يادلين، صرّح لمساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب،
فرانسيس فراغوس توانسند، في تشرين الثاني 2006، بأن هناك «خليطاً من الأدلة، ليست أدلة دامغة»، على أن «سوريا تواصل إمداد حزب الله بالأسلحة». وقال يادلين لضيفه (06TELAVIV4606) «إننا نعتقد أن الإيرانيين يُرسلون حاويات إلى وحدة معروفة متخصصة بصواريخ زلزال. محمد سليمان يقوم بالأعمال (في هذا الإطار)، وهناك رجل لوجستي تابع لحزب الله متورّط. كل هذه أجزاء، لا دليل حسياً، بل إشارات تدل على أن عمليات نقل الأسلحة تجري». أضاف «ليس ثمة نهر متدفق من الأسلحة باتجاه لبنان، بل مجموعة من ينابيع دعم صغيرة».
وبحسب وثيقة تحمل الرقم 06TELAVIV5004 أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، إيهود أولمرت، ملف تسلح حزب الله مع السيناتور الأميركي أرلين سبكتر، شاكياً انتهاك الرئيس السوري بشار الأسد للحظر المفروض على نقل الأسلحة «يومياً». ورداً على سؤالٍ عن وجود دليل على عمليات نقل الأسلحة، قال أولمرت «إنه يسلّحهم يومياً. الأسلحة السورية تصل إلى لبنان عبر حاويات تُنقل بالقطار من إيران عن طريق تركيا».
المنسّق الإسرائيلي للحوار الاستراتيجي والتعاون الدفاعي بين تل أبيب وواشنطن، رامي يونغمان، أضاف إلى القلق الإسرائيلي عنصراً نوعياً. ففي اجتماع مع أحد المسؤولين الأميركيين في السفارة (07TELAVIV1343 )، كشف يونغمان عن وجود نيّات سورية لتزويد حزب الله بصواريخ تحمل رؤوساً كيميائية، محذراً من أنه إذا حصل ذلك فإن «إسرائيل ستشعر بأنها مرغمة على ضرب مخازن الأسلحة حيث تقع، وقد يؤدي ذلك إلى دخول إسرائيل في صراع مع سوريا». وفي سياق تحذيره، لفت المسؤول الإسرائيلي إلى أن «سوريا وإيران تصنعان العديد من الصواريخ البعيدة المدى بنفسيهما».
الإشارة الأولى إلى كمية الصواريخ التي راكمها حزب الله بعد الحرب وردت خلال اجتماع للجنة «الحوار المشتركة (بين إسرائيل والولايات المتحدة) حول لبنان»، ترأسه نائب وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان. خلال الاجتماع (08TELAVIV224 ) الذي عقد في منتصف عام 2008، حذر رئيس مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، نمرود باركان، من امتلاك حزب الله 20 ألف صاروخ في المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني، مشيراً إلى «توافر معلومات جيدة جداً، لكن ليس أدلة، على أن حزب الله بنى مدناً تحت الأرض ضمن نطاق منطقة عمل اليونيفيل، بما في ذلك مراكز قيادة وسيطرة، وثكنات ومواقع إطلاق النار». لكن إسرائيل، بحسب ضابط من شعبة الاستخبارات العسكرية حضر الاجتماع، «أقل اهتماماً بشأن عدد الأسلحة التي يمتلكها حزب الله وأكثر اهتماماً بتطورها». وفي هذا السياق، أشار الضابط إلى أن شعبته تقدّر أن حزب الله يمتلك أسلحة قادرة على استهداف مروحيات وطائرات من دون طيار، كما «تعتقد أن صواريخ الحزب المتوسطة المدى باتت أكثر دقة، ما يسمح له بمهاجمة أهداف محددة في تل أبيب». وختم الضابط مطالعته بالقول إن «المفاجأة التي وعد بها نصر الله في حال اندلاع حرب أخرى قد تكون هجوماً صاروخياً يستهدف المنشأة النووية في ديمونا».
العرض الأكثر تفصيلاً لقدرات حزب الله التسليحية قدّمه ضباط الاستخبارات الإسرائيليون خلال اجتماع موسّع مع نظرائهم الأميركيين منتصف عام 2009. بحسب هؤلاء (وثيقة 09TELAVIV2501 )، «يمتلك الحزب 20 ألف صاروخ، ومئات من الصواريخ من طراز 220 و 302 ملم، وعدة مئات من صواريخ «فجر» ، ومئات من قاذفات الصواريخ والقذائف المضادة للدروع، ومئات من الصواريخ المضادة للدروع الموجهة المطوّرة، وعشرات من صواريخ SA-14، SA-7، وصواريخ مضادة للطائرات من طراز QW-1، وعدة طائرات بدون طيار من طراز أبابيل، وكمية غير معروفة من صواريخ أرض–بحر من طراز C-802 والآلاف من العبوات الناسفة».
ورداً على سؤال لأحد المسؤولين الأميركيين عن نيات حزب الله في ضوء هذه الترسانة، أجاب ضابط استخبارات إسرائيلي «إن حزب الله يستعد لصراع طويل مع إسرائيل يسعى فيه إلى إطلاق عدد هائل من الصواريخ يومياً عليها». وإذ لفت إلى أنه خلال «حرب لبنان الثانية» لم تُستهدف تل ابيب، رأى الضابط الإسرائيلي أن حزب الله سيحاول تغيير المعادلة في الجولة المقبلة وسيعطل الحياة اليومية في تل أبيب. وأوضح أحد ضباط الموساد ما يعنيه زميله قائلاً «إن حزب الله سيحاول إطلاق 400 إلى 600 صاروخ يومياً على إسرائيل، من بينها مئة صاروخ ستستهدف تل أبيب»، مشيراً إلى أن الحزب «سيحاول الحفاظ على الوتيرة ذاتها من الاستهداف لشهرين على الأقل».
وكان لرئيس الأركان الإسرائيلي، غابي أشكينازي، حصته في التعبير عن قلق تل أبيب أمام صنّاع القرار الأميركيين. أشكينازي أبلغ وفداً من الكونغرس الأميركي (09TELAVIV2778 ) أن حزب الله أصبح جيشاً صغيراً وأن ترسانته الصاروخية تعد 40 ألف صاروخ، من ضمنها صواريخ إيرانية قادرة على استهداف بئر السبع من لبنان. وأوضح الجنرال الإسرائيلي في السياق أن القرار 1701 كان فعالاً في منع تهريب السلاح إلى لبنان عبر البحر والجو، لكنه فشل في منعه براً. وأوضح أشكينازي قائلاً «إيران ترسل السلاح بحراً وجواً إلى سوريا التي تقوم بشحنه براً إلى لبنان» مشيراً إلى أن «حزب الله وزع ترسانته الصاروخية على كامل الأراضي اللبنانية».
ملف تسلح حزب الله حضر كالعادة بوصفه أحد أبرز مواضيع البحث بين مسؤولين إسرائيليين من الاستخبارات العسكرية ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووفد أميركي برئاسة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان. خلال الاجتماع (وثيقة 09TELAVIV206)، لفت أحد الضباط الإسرائيليين إلى وجود مؤشرات استخبارية على أن سوريا قد «تستغل الالتهاء الإسرائيلي بغزة من أجل نقل صورايخ بعيدة المدى إلى حزب الله وصواريخ موجهة رادارياً مضادة للطائرات». وأوضح الضابط أن إسرائيل ترى في هذا الأمر تجاوزاً للخطوط الحمراء وأنها أوصلت عبر فرنسا رسائل إلى دمشق بهذا الشأن، مشيراً إلى «وجود نية لتمرير تحذير آخر».
وحذر المسؤول العسكري الإسرائيلي من أن إسرائيل سوف «تستهدف أي شحنة في حال اكتشافها»، مستدركاً بأنها ستفعل ذلك «على الأرجح داخل لبنان، لأن سوريا تعرّضت للاستهداف مرات عديدة بحيث نخشى من رد جدي إذا استُهدفت مرة أخرى».
ويبدو أن الرسالة الإسرائيلية لم تصل إلى دمشق، إذ عاد رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، يوسي بايدتس، للتحذير من نيات سوريا لتجاوز الخط الأحمر في تسليح حزب الله. وبحسب وثيقة رقم 10TELAVIV414 أبلغ بايدتس في 22 شباط 2010 مسؤولين في السفارة الأميركية بتل أبيب أن لدى شبعة الاستخبارات معلومات تفيد أن سوريا تعتزم قريباً نقل صواريخ سكود D إلى حزب الله. وإذ أوضح أن إسرائيل ترى أن هذا النوع من عمليات نقل الأسلحة سيخلق مستوى جديداً من التوتر على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، طلب بايدتس أن تقوم الحكومة الاميركية بخطوة مناورة تجاه الحكومة السورية في محاولة لثنيها عن نقل الصواريخ.
وبموازاة القلق من تسلح حزب الله، حضرت في أحد الاجتماعات الرؤية الإسرائيلية للحزب على صعيد دوره وأهدافه. الرؤية شرحها خلال لقاء تنسيقي بين مسؤولين أمنيين إسرائيليين وآخرين أميركيين، ضابط في الاستخبارات العسكرية رأى (وثيقة 06TELAVIV1083) أن «حزب الله هو ذراع إيران لتحقيق أهداف استراتيجية». أضاف «إنه يدرب مقاتلين لإرسالهم إلى العراق، والوحدة العسكرية 2800 تستخدم التكتيكات نفسها التي اكتسبها الحزب خلال حربه مع إسرائيل. كما أن جهاز الأمن الخارجي التابع لحزب الله يعمل على تجميع المعلومات حول العالم لمصلحة إيران، ولدى حزب الله خلايا في أكثر من 40 دولة حول العالم، إضافة إلى قواعد في أوروبا وأميركا الجنوبية».
أما في داخل لبنان فقد «أثبت حزب الله وجوده جيداً على مدى السنوات العشرين الماضية، وهو الآن نشيط على الساحة السياسية والإرهابية أيضاً. وهو يرى أن لديه عدة أهداف: الدفاع عن مصالح الشيعة، خدمة إيران وسوريا بصفته وكيلاً لهما، القيام بدور منظمة جهادية تطبق برنامجاً مناهضاً لأميركا وإسرائيل، القيام بدور المدافع عن لبنان، وتثبيت حضوره بوصفه منظمة عربية إسلامية». ورأى الضابط الإسرائيلي أن هناك «توتراً بين الأبعاد الجهادية واللبنانية في هوية حزب الله يمنعه من تفعيل كامل قدراته الإرهابية والعسكرية».