المنامة | «ليس من الصعب البحث عن الحقيقة، لكن المشكلة هي في العقول التي يغلفها غشاء الطائفية والمذهبية، من أراد تصديقنا والإيمان بقضيتنا فعل منذ اليوم الأول، ومن لم يرد كذّبنا وحرّض علينا منذ اليوم الأول»، هذا ما يقوله أحد شباب 14 شباط، أو ما صار يطلق عليهم بشباب الثورة في البحرين، حين زفّت صحيفتا «الأيام» و«الوطن» البحرينيتان خبر دخول الجيش السعودي تحت مظلّة «درع الجزيرة». لم يفهم كثيرون طبيعة المهمّة التي ستقوم بها هذه القوّات.
اختلفت التحليلات والروايات حينها، لكن المتفّق عليه عند المعارضة والحكومة على حدٍّ سواء، ولو ضمنياً، أنّ ميزان القوى قد تغيّر منذ دخول هذه القوّات، لمصلحة حكم آل خليفة، فيما بقيت المعارضة محاصرة على نحو غير مسبوق، لم تصل إليه كل الخضّات الأمنية التي مرّت على البحرين منذ خمسينيات القرن المنصرم.
وفي ظل الأحداث والخطوات الأمنية المتسارعة، الواضح أن النظام قرّر معاقبة كلّ من حضر إلى ميدان اللؤلؤة، الذي سوُيّ بالأرض مع دخول قوات «درع الجزيرة»، وقرّر أيضاً استهداف كل ما له علاقة بالطائفة الشيعية التي تمثّل الغالبية من مواطني المملكة الصغيرة.
ويتحدث أحد قياديي المعارضة لـ«الأخبار» عن الطريقة الهمجية في دهم المنازل، التي تُكثَّف بين الثانية عشرة والثالثة فجراً من كل يوم قائلاً: «إننا لم نر إلا سلطات الاحتلال الإسرائيلي تدهم المنازل ليلاً، وتكسّر محتويات المنزل وتعتقل من تريد، ولدى خروجها تهدم المنازل»، مشيراً إلى «طريقة وظروف اعتقال الأمين العام لتيار الوفاء عبد الوهاب حسين». ويضيف أن «هذا الأسلوب القمعي لم تشهده إلا البلدان القابعة تحت الاحتلال». وبحسب المعارض، إن «استمرار نقاط التفتيش في مختلف مناطق البحرين يذكرنا بالحواجز الإسرائيلية في الضفة وغزة، وطريقة التعامل مع المنتمين إلى الطائفة الشيعية الذين يعرفون من أماكن إقامتهم أو أسمائهم».
أما عائشة، ابنة المناضل عبد الرحمن النعيمي (سنّي ـــــ يسار)، فتقول على أحد مواقع التواصل الاجتماعي: «أن تكون شيعياً يعني أنك مستهدف لكلّ ما أُلصق بك من تهم، وأن تكون سنّياً فأنت قادر على عبور نقاط التفيش. وأن تكون حيادياً يعني أن لا يكون لك مكان على الخريطة. وأن تكون عقلانياً، فليس هناك عقل في زمن الخوف. أن تغدو خوفاً متجمّداً، فهذا هدف قريب. أما إذا تحوّلت إلى خوف يستميت في الدفاع والغضب، فهذا الهدف المطلوب لغوصنا في بركة الدماء».
يلي هذا المشهد الطائفي مشهد يوازيه ظلماً عنوانه العقاب الجماعي. فحفلة الفصل الجماعية للمواطنين لم تتوقف. صحيح أن شرّ البلية ما يُضحك؛ فالأمر يجري بطريقة تدعو إلى السخرية، حيث تقوم الصحف التابعة للنظام أو التلفزيون الرسمي بحملة إعلامية على قطاع من القطاعات، وفي اليوم التالي، يقوم القطاع بفصل مجموعة من العاملين لديه. إضافة إلى جلسات التحقيق العلنية التي يقوم بها تلفزيون البحرين في هذه الأيام من خلال استدعاء مسؤولين من الطائفة الشيعية أو مشاهير، كالرياضيين، ومحاصرتهم وتخوينهم، بل ومقاضاتهم علناً على الهواء مباشرةً، ليُعاقبوا في اليوم الذي يليه من رؤسائهم.
وحسب إحصاءات حصلت عليها «الأخبار»، تجاوز المفصولون 700 شخص من مختلف القطاعات، بحيث فصل 200 موظف عاملين في شركة الاتصالات «بتلكو»، و60 موظفاً من شركة نفط البحرين «بابكو» (حكومية)، وأُوقف أعضاء مجلس إدارة نقابتها الـ13 وأُحيلوا على التحقيق. وفُصل أيضاً 270 موظفاً من شركة ألومنيوم البحرين «ألبا» المملوكة من الحكومة، وأُقيل 60 موظفاً من شركة خدمات مطار البحرين «باس» و50 موظفاً من فندق «الدبلومات» و 15 شخصاً من الناقل الوطني طيران الخليج وأُنهيت عقود 28 شخصاً من تلفزيون البحرين.
وفي القطاع الرياضي، اعتُقل لاعبو كرة القدم في المنتخب الوطني، الأخوان علاء ومحمد حبيل، وفصل شاكر سلمان وسيّد شرف من نادي البحرين، وأُقيل مساعد مدرب نادي المحرق للكرة الطائرة ياسين الميل. وفي نادي المنامة، أُنهي عقد اللاعب محمد حسن نهائياً، وأُوقف الإداري نوح نجف حتى إشعار آخر، وأُوقف اللاعب محمد غلوم نهائياً عن ممارسة اللعبة... واللائحة تطول. تأتي حفلة العقاب الجماعي هذه، بعدما شنّ تلفزيون البحرين حملة على الرياضيين المشاركين في اعتصام المعارضة البحرينية، تلاه تصريح لنائب رئيس اتحاد البحرين علي بن خليفة آل خليفة، قال فيه إنّ «جميع من شاركوا في مسيرة الدوال سيُشطبون نهائياً من الاتحاد».
وعلى صعيد وزارة التربية والتعليم، أعلن وزير التربية ماجد النعيمي أنه سُحبت 66 بعثة دراسة لطلّاب مبتعثين على نفقة الدولة، وكان السبب الرئيسي لهذه العقوبة أنهم إما شاركوا في اعتصامات أمام سفارات البحرين احتجاجاً على حملة القمع التي قامت بها السلطات، أو قاموا بنشاط إلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك وتويتر»، كما هي حال طالبات كلية الطب في السعودية.
أما المشهد الأحلك الذي يزيد من حالة الاحتقان الطائفي في مجتمع متديّن، فهو استهداف المقدسات الشيعية. يقول أحد قياديي المعارضة «إننا نتحدث دائماً عن معارضة وطنية، ونرفع شعارات لا سنية لا شيعية، وكنا صادقين فيها، لكن النظام حاول تشويه التحرك وتعاطى مع جميع المتعصمين على أنهم شيعة يريدون النيل من الحكومة السنية». ويضيف: «أما بعد دخول قوات «درع الجزيرة»، بقيادة الجيش السعودي، فقد بدأت السلطات فعلاً باستهداف الشيعة على أساس طائفي، لكنّها لا تريد أن تعترف بذلك، ولهذا السبب اعتقلت الأمين العام لجمعية وعد إبراهيم شريف (يساري ـــــ سني)».
ويختم قيادي في المعارضة حديثه مع «الأخبار» قائلاً: «لم نفقد الأمل في التوصّل إلى حلّ، لكن المسألة باتت معقّدة جداً، والأزمة باتت مدوّلة، بعدما كانت محليّة صرفة، وكل ما نطلبه من الناس هو الصبر والثقة بنا».
في هذه الأثناء، دهمت قوى الأمن منزل رئيس اللجنة المركزية لجمعية «وعد»، عبد الحميد مراد (يسار)، عصراً واقتيد إلى جهة غير معلومة، فيما شيعت حشود سيد حميد سيد محفوظ (57 عاماً) من قرية سار، وهو أحد المفقودين الـ45، الذين أعلنت عنهم المعارضة سابقاً، حيث وُجد مقتولاً بجانب سيارته.



بلاغ ضد 7 جمعيات


تقدّم عدد من المواطنين ببلاغ للنائب العام علي بن فضل البوعينين، وشكوى لوزير العدل والشؤون الإسلامية، خالد بن علي آل خليفة (الصورة)، للتحقيق في ما قالوا إنها «مخالفات الجمعيات السياسية السبع (الوفاق، وعد، أمل، المنبر الديموقراطي التقدمي، التجمع القومي الديموقراطي، الإخاء الوطني، التجمع الوطني الديموقراطي) لقانون العقوبات وقانون الجمعيات السياسية»، و«الدعوة لتغيير وقلب النظام السياسي والاجتماعي، والتعاون مع جهات خارجية لتحقيق هذه الغرض، وتورطهم في أنشطة مست الأمن الوطني خلال الأحداث السابقة»، بحسب ما أوردت وكالة أنباء البحرين «بنا».
وأشار البلاغ، بحسب الوكالة، إلى «مخالفة الجمعيات السبع صراحة نصوص قانون العقوبات، عبر إدارتها اعتصامات وتجمعات ومسيرات وإضرابات جماعية». ويمكن أن يؤدي التحقيق في هذا البلاغ إلى إغلاق الجمعيات وحظر نشاطاتها.