صعّد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، أمس، من حملته ضدّ المحتجّين المطالبين بإسقاطه. وبعدما كان المعتصمون في صنعاء على مدى الأسابيع الماضية هدفاً لبلطجيّة النظام وقواته النظاميّة، انتقل الحدث خلال اليومين الماضيين إلى تعز، حيث ارتكبت مجزرة جديدة، راح ضحيتها 17 شخصاً على الأقللا يبدو أن الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، مستعد للتعلم من الأخطاء التي ارتكبها خلال محاولاته المتكررة لإجهاض الاحتجاجات المطالبة بتنحّيه، رغم ما تسببه من تداعيات سلبية أوصلت حكمه إلى مشارف النهاية، بعدما بات أقرب حلفائه، من واشنطن إلى مجلس التعاون الخليجي، يبحثون عن سبيل لسحب البساط من تحته، على نحو هادئ يسمح بحدوث انتقال سلس للسلطة.
وبعد قرابة أسبوعين من مجزرة «جمعة الإنذار» في صنعاء، التي راح ضحيتها أكثر من 52 محتجاً، أعاد صالح السيناريو نفسه في تعز أمس، مستغلاً عدم توفير أي حماية للمعتصمين، ومسبباً مقتل 17 شخصاً على الأقل، فضلاً عن إصابة المئات.
وأكد مدير المستشفى الميداني في ساحة الحرية في تعز، صادق الشجاع، أن «17 شخصاً قتلوا بالرصاص الحيّ، كما أصيب المئات إصابات مختلفة، بينهم أكثر من مئة أصيبوا بالرصاص»، واصفاً الحالة في المستشفى الميداني بأنها «سيئة جداً» مع إطلاق قوات الأمن والجيش النار لتفريق المتظاهرين الذين خرجوا في «يوم غضب» بعشرات الآلاف في شوارع المدينة، التي شهدت مواجهات دامية لليوم الثاني على التوالي.
وفيما كان القيّمون على المستشفى الميداني يناشدون منظمات المجتمع المدني لإيصال الأدوية والعلاجات بسرعة، لكثرة الإصابات، كشف شهود عيان عن إطلاق مجموعة من القناصة، تعتلي مبنى المحافظة، النار على المتظاهرين، إلى جانب قوات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي، على عكس قوات الجيش التي لم تعترض المسيرات، وسط معلومات عن وجود نجل الرئيس اليمني، أحمد علي عبد الله صالح، الذي يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري، في المحافظة، للإشراف المباشر على مخططات فضّ الاعتصام في ساحة الحرية.
واستبق النظام مجزرة تعز، بتصعيد مماثل في الحديدة المطلة على البحر الأحمر، في مؤشر إضافي إلى افتقاد النظام قدرته على ضبط النفس مع تعمق الأزمة السياسية. وعمدت الشرطة إلى استخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، لتفريق آلاف المحتجّين الذين نظّموا مسيرة على نحو مفاجئ عنذ الثانية صباحاً إلى القصر الرئاسي، ما أدى إلى إصابة تسعة أشخاص بطلقات نارية، فضلاً عن تعرض 350 للإعياء نتيجة استنشاق الغاز المهيّج للأعصاب.
وأكد أحد شهود العيان أن المحتجين «تجمعوا فجأة حول المبنى الإداري للمحافظة وتوجهوا إلى قصر الرئاسة، لكن الشرطة أوقفتهم بإطلاق النار في الهواء وباستخدام الغاز المسيل للدموع»، لافتاً إلى مشاركة رجال الشرطة السريين في مهاجمة المحتجين.
ولم تكد أنباء الاعتداءات في تعز والحديدة تنتشر، حتى خرج عشرات الآلاف اليمنيين في مسيرات حاشدة جابت شوارع صنعاء وصعدة. وتوجه الآلاف من منطقة الصافية نحو ساحة التغيير في جامعة صنعاء، رافعين لافتات تندد بالمجازر التي يرتكبها النظام، ومرددين هتافات تطالب بإسقاط النظام ومحاكمة «السفاح»، وكل المتورطين بارتكاب هذه المجازر، في وقت حاولت فيه مجموعة من البلطجية تابعة لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم الاعتداء على مسيرة الصافية، وإطلاق النار وترديد شعارات «الشعب يريد علي عبد الله صالح»، دون حدوث أي إصابات.
كذلك، خرجت مسيرة ثانية من مأرب ومنطقة هبرة وسعوان والحصبة صوب ساحة التغيير، احتجاجاً على ما تشهده مدينة تعز والحديدة، فيما انطلقت المسيرة الثالثة من شارع الدائري، وصولاً إلى ساحة التغيير، واعتقل أكثر من 30 من المتظاهرين في شارع الزبيري، أحد أهم الشوارع التجارية بوسط العاصمة صنعاء.
المشهد التضامني نفسه تكرر في صعدة، بعدما خرجت مسيرة حاشدة جابت شوارع المدينة، منددة «بالمجزرة البشعة التي ارتكبها نظام صالح المجرم بحق المعتصمين، في ساحات الحرية في محافظتي تعز والحديدة». وعبّر المحتجون عن «استنكارهم البالغ لصمت المجتمع الدولي عن جرائم صالح»، منوّهين إلى أن ذلك يأتي في ظل صمت يعبر عن رضى واضح من المجتمع الدولي الذي يغضّ الطرف عن مجازر النظام اليمني، التي لم تتوقف عند حدّ ولم تنته عند مشهد معين.
ولاختيار الرئيس اليمني نقل المعركة الدامية مع المتظاهرين من صنعاء إلى تعز والحديدة أسباب عديدة، في مقدمها الحماية العسكرية التي تؤمنها قوات الجيش اليمني المنشقّة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر لساحة التحرير. وهو ما تجلّى أمس بصدّ قوات من الفرقة الأولى المدرعة التابعة للواء الأحمر نحو مئتي شرطي من قوات الأمن المركزي، حاولوا الدخول الى ساحة التغيير من الجهة الجنوبية عبر شارع الوحدة.
وأوضح شهود أن الشرطة حاولت التقدم مسلّحة بالهراوات والقنابل المسيّلة للدموع نحو ساحة الاعتصام أمام جامعة صنعاء، فواجهها عناصر الجيش وأوقفوها، من دون استخدام الرصاص.
وطغت أجواء المجازر ضد المحتجين على مواقف المعارضة اليمنية، التي جددت أمس التأكيد أن جرائم صالح ونظامه لن تسقط بالتقادم، وسيلاحق مرتكبوها وآمروهم أمام القضاء الوطني والدولي، متهمةً الرئيس وأقاربه، إلى جانب الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يقودونها، إضافةً إلى بعض المحافظين الذين رهنوا أنفسهم للمصالح الضيقة وغير المشروعة، لتنظيم هجمات مخططة وممنهجة ضد التجمعات والتظاهرات السلمية، وبقصد القتل العمد وإلحاق الضرر.
كذلك وجهت أحزاب اللقاء المشترك نداءً أمس إلى الأسرة الدولية للتدخل بسرعة، لإيقاف صالح وحاشيته عن سفك المزيد من دماء اليمنيين. كما توجهت الأحزاب بنداء عاجل «إلى أشقائهم في دول مجلس التعاون الخليجي والذين ينتظر منهم الشعب اليمني في مثل هذا الوقت العصيب موقفاً يعبر عن معنى الأخوة والجوار والمصير المشترك الواحد»، وذلك بالتزامن مع توجيه رسالة من نائب الرئيس اليمني السابق، علي سالم البيض، أمس، إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف بن راشد الزياني، داعياً دول مجلس التعاون الخليجي «باسم العروبة والدم إلى التدخل لوقف المجازر الشنيعة، والملاحقات القمعية التي تمارسها قوات الاحتلال اليمني الممثلة بقوى الجيش والأمن، التي لا تتورع عن استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة».
وتأتي دعوات البيض والمعارضة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى التدخل لوقف مجازر النظام اليمني، بعد يوم واحد من اتفاق دول المجلس على إجراء اتصالات مع الحكومة والمعارضة لتجاوز الوضع الراهن، وسط أنباء عن سعي الدول الخليجية إلى الوصول باليمن إلى مرحلة جديدة، من دون علي عبد الله صالح، بأقل الخسائر الممكنة لليمن، وبما يحفظ مصالح دول المجلس الأمنية.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)




الحراك الجنوبي

في سابقة هي الأولى منذ نشوء الحراك السلمي الجنوبي الداعي الى فك الارتباط، دعا رؤساء مجالس الحراك السلمي وقادته وكوادره في محافظات الجنوب «مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، الى التدخل العاجل لتوفير الحماية الدولية لشعب الجنوب، إزاء المجازر الدموية البشعة، التي ترتكبها سلطات الاحتلال في حق الجنوبيين»، متهمين النظام في صنعاء بـ«نشر فرق الإرهاب القادمة من صنعاء، والتي تستهدف نشر الرعب في الجنوب، وتحويل ساحاته من مواطن الحب والسلام الى مواطن للدمار والاقتتال» . كذلك أدان المجتمعون عملية «الاعتقال الدنيئة التي تعرّض لها المناضل الكبير حسن أحمد باعوم الأب الروحي للثورة، رئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب، محمّلين سلطات الاحتلال كامل المسؤولية عن حياته.