باريس| شارك في اجتماع مجموعة الاتصال حول ليبيا، أول من أمس، نحو أربعين مسؤولاً غربياً، بينما كان لافتاً غياب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، إضافة إلى الأمين العام للاتحاد الأفريقي بينغو موثاريكا. ومن الغيابات التي توقف عندها المراقبون، عدم حضور مصر والجزائر، الجارتين الكبيرتين لليبيا. أما الحاضر ـــــ الغائب، فكان «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، أو «أكمي» كما تشير إليه الصحافة الفرنسية.
وبحسب مصادر متعددة شاركت في الاجتماع، فإن الحديث عن «القاعدة» كان يتم «همساً»، نظراً إلى الحساسية المحيطة بهذا التنظيم الذي لا يزال يحتجز أربع رهائن فرنسيين، فيما رأى عدد من المراقبين أن تصريح القائد الأعلى لقوات حلف شمالي الأطلسي في أوروبا، قائد القيادة الأوروبية للقوات الأميركية، الأميرال جيمس ستافريدس، حول معلومات استخبارية تفيد بأن تنظيم «القاعدة» أو «جماعة حزب الله» تقاتل إلى جانب المعارضة الليبية المسلحة، هو «تطور نوعي» للصراع. إلا أن البعض يشير إلى أن هذا التصريح «يرمي إلى تذويب أخبار» تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مستنقع العموميات، رغم أن عدداً من المصادر يقول إن «أكمي» هو اليوم المستفيد الأكبر من «اضمحلال القوة» في ليبيا. ويرى أحد الخبراء أنّ قوة الجيش الليبي تراجعت على نحو كبير وبطريقة فوضوية، ما «خفّف الضغط عن تنظيم أكمي»، فيما قوى المعارضة لا تزال ضعيفة وعاجزة عن استيعاب قوته.
ونقلت المجلة الفرنسية «لو كانار أنشينيه»، عن مصادر استخبارية قولها إن تنظيم أكمي «استولى على عدد من صواريخ أرض جو» التي يمكن مسلحاً واحداً استعمالها لإسقاط طائرة تحلق على علو منخفض، أو طوافة. ويشير دبلوماسي تحدّث إلى المجلة إلى أن «هذا التعاون بين القاعدة والثوار لا يغيّر من أحوال معطيات الوضع اليوم». ورداً على سؤال لـ«الأخبار»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، برنار فاليرو، إنه «ليس لديه ما يؤكد أو ينفي هذه المعلومات»، في وقت أعادت فيه أوساط استخبارية التأكيد أنّ «مجموعات خاصة من دول أوروبية، تطارد جماعات أكمي في جنوب ليبيا»، لافتةً إلى أن عدداً من «أفراد التنظيم الإرهابي هربوا باتجاه الجزائر، واشتبكوا مع القوات الجزائرية داخل حدودها». وتشدد هذه المصادر على أنّ «السلطات الجزائرية غير راضية عن التوجه الذي تأخذه الحملة على ليبيا»، وترى فيه مساراً نحو «التأسيس لمنطقة فوضى» على حدودها الشرقية، يمكن أن تنعكس على أمنها الداخلي.
وتتزامن هذه التطورات مع حديث متزايد عن «رغبة باريس وواشنطن بتسليح الثوار»، مع ارتفاع الأصوات التي تسأل عن أهداف «الحرب التي لا يُشار لها بحرب»، بعدما بات الإعلان اليومي عن «عدد الصواريخ والقنابل الذكية، يوازي ما كانت تقصف به الأراضي العراقية»، على حد تعبير أحد النواب الفرنسيين الذي كان مؤيداً لـ«حماية المدنيين من قبل قوات التحالف»، وبات يقف اليوم «مدهوشاً أمام تسليم القيادة لحلف شمالي الأطلسي في حملة قد تستمر 90 يوماً».
وسألت «الأخبار» فاليرو عن سبب عدم السماح لممثلي «المجلس الوطني الانتقالي» الليبي بحضور لقاء مجموعة الاتصال، وما إذا كان ذلك «نوعاً من الانتداب»، فتجاوز الإجابة، مكتفياً بالاشارة إلى أن «عدداً من المسؤولين التقوا بممثلي الثوار». إلا أن مصدراً دبلوماسياً متابعاً للملف أكد أن سبب بقاء الممثلين الليبيين خارج قاعة الاجتماع، كان اعتراض عدد من الدول التي لا تعترف بالمؤتمر، ورغبة من هذه الدول في «المحافظة على الشكليات في التعاطي مع الأعراف الدبلوماسية»، لكي لا يشكل ذلك التواصل مع الثوار سوابق في مناطق أخرى.
في غضون ذلك، عجزت كل الجهات المشاركة عن التعليق على «ضعف التمثيل العربي في لقاء لندن»، وهو ما يشكل «مستقبلاً قاتماً للملف الليبي». ولم يتردد دبلوماسي أوروبي من التصريح لـ«الأخبار» أن معمر القذافي يعرف أن ابتعاد العرب عن التحالف يمثّل نقطة ضعف قاسية. ويستطرد بأن الرابح الأكبر حتى الآن هو المجموعات المسلحة المنتمية إلى «القاعدة»، أو إلى مجموعات متفرقة موجودة في الصحراء، التي «جذبها الفراغ الأمني في ليبيا»، وهي التي بدأت تتلمّس سبل بناء علاقات ثقة مع القبائل في الجنوب. ولا يستبعد هذا الدبلوماسي أن تشارك هذه الجماعات في القتال الدائر، لأنها، ومهما كان انتماؤها، صاحبة مصلحة في «جذب القوات الدولية إلى تدخل بري»، تماماً كما هي رغبات العقيد، لأن ذلك يسمح لهم بـ«التلويح بالاحتلال». أما إذا بقيت المشاركة العربية هزيلة، فبإمكان القذافي فعلاً إضافة «بُعد صليبي على هذا الاحتلال»، يقرّب منه بعض المعارضين.
ورغم كل ذلك، فإن بريطانيا تستعد لإرسال أسلحة للثوار، متجاوزة الاعتراضات العديدة لعدد من الخبراء الذين يتخوفون من أن تذهب هذه الأسلحة إلى أيدي «القاعدة» أو مقرَّبين منها. ويفسر البريطانيون القرار الدولي 1973، بأنه يسمح بإرسال أسلحة للثوار. موقف مشابه تقترب منه كل من فرنسا والولايات المتحدة الداعيتين إلى «دعم المقاتلين». إلا أنّ عدداً من الحلفاء المشاركين في «فجر الأوديسا» لا يتخوّفون فقط من ذهاب هذه الأسلحة إلى «القاعدة»، بل أيضاً من الانزلاق البطيء نحو «تدخُّل مباشر» يعيد رسم الحملة بما يحاكي الحرب على العراق، وخصوصاً أنّ «العرب غائبون»، مثلما يقول دبلوماسي عربي في باريس. ويستطرد هذا الأخير بأنّ «الغرب بات يقيس مقدار الخسارة على الصعيد التكتيكي التي يمثلها غياب الرئيس المصري حسني مبارك»، وابتعاد مصر عن «خوض المغامرات الغربية»، على شاكلة ما حصل في مناطق أخرى إبان عهد مبارك.