تحرص السعودية كل عام على المشاركة في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، مشاركة على بياض، توكل من يدفع قيمة حجز مساحتها الخاصة، والحضور بغرض الفرجة والاستعراض. تتقمَّص وضعية المهتم بالثقافة عن طريق اللامحتوى وعرض كتب الدين الوهابي وبعض العناوين القديمة، لتثبيت حضورها الذي لن يفتقده أحد ربما لو قررت الغياب عن خريطة المهرجان الثقافي اللبناني في نسخته الـ 59.
لا تميِّز جناح المملكة حفلات التوقيع التي تزدحم بها الأجنحة المجاورة، أو حتى المساهمة في أمسيات شعرية وثقافية تتيح للمطَّلعين والمهتمِّين الغوص في ثقافة بلد لطالما كان غامضاً، رغم كثرة المعارض والمطبوعات في الفضاء العام المحلي والعربي خلال السنوات الأخيرة.
كأن السعودية والكتب طرفان متحاربان. لا تستطيع تمييز جناحها الذي تحرص على جعله مميَّزاً من ناحية التصميم والفخامة، إلا عن طريق ملاحظة صور الملك وأولياء عهده، المعروضة في كل زاوية من زوايا الركن الثقافي. لا كتب ولا مثقفين ولا زوار، في مشهد مألوف للجناح الملكي وسط انشغال الدُّور المجاورة بزوارها المتوافدين طوال أيام المعرض البيروتي.
حديث عن وقفة
تضامنية مع الشاعر أشرف فياض المحكوم بالإعدام

ولو أردنا أن نعلِّق على المشاركة السعودية بشكلٍ كوميدي ساخر، لَقلنا إنها ستحرمنا من مشاهد «مناصحة» المثقفين، والمطالبة بالفصل بين الجنسين التي يشتهر بها معرض الكتاب بنسخته السعودية التي تقام في الرياض، إذ لا حملات في بيروت ضد المثقفين أو النساء أو حتى مصادرة للكتب بحجة إلحادها من قِبل محتسبين ورجال هيئة الأمر الدينية.
ولو قدَّمنا النسخة التراجيدية من الوجه الثقافي السعودي، سيكون الجناح السعودي أكثر نفعاً، إذا تزيَّن بصور ونصوص المثقفين القابعين في سجون النظام، وفي مقدمهم الشاعر عادل اللبّاد، والكاتب فاضل المناسف والمدوِّن رائف بدوي، والشاعر والتشكيلي الفلسطيني أشرف فياض الذي انضم أخيراً إلى القائمة، والمحكوم بالإعدام بتهمة الدعوة إلى الإلحاد وإنكار وجود الذات الإلهية في كتابه «التعليمات في الداخل»، الصادر عام 2008 عن «دار الفارابي» في بيروت. ويجري الحديث في أوساط النشطاء والمثقفين عن نيَّتهم تنظيم وقفة تضامنية أمام الجناح السعودي خلال أيام المعرض لإدانة حكم متوحش يستهدف تأصيل ترهيب جميع المحسوبين على السلم الثقافي.
إنَّ كشف الوجه البشع لقمع الكتّاب وحرية التعبير قد يكون من أبرز ما تحمله مهمة المثقفين المعارضين لوجود جناح المملكة في معرض يرفع شعار الكتاب للجميع. فيكون على المعرض تحمّل وجود جناح دولة تقمع الكتّاب وتحاكم الشعراء والمدونين. عبء لا يخلّصه منه الحاجة إلى المال السعودي والبعد البيروقراطي للمشاركة الخليجية.
هذا العام كما كل عام، لن تسوِّق المملكة عناوين جديدة، ولن تعلن عن مبيعات كتب خيالية، وهذا بالطبع ما لا يتوقَّعه منها أحد. الكلُّ ينظر فقط بعين الخوف والترقب إلى إشهار السيف السعودي لقتل شاعر قبض عليه متلبِّساً بقصيدة.