لم يستطع النظام السوري، رغم قانون الطوارئ المعمول به منذ عام 1963، أن يفرض نمطاً واحداً على شعبه والإيحاء بوجود تعدّدية سياسية وحريات في البلاد، فواجه العديد من الحركات التي كسرت حاجز الرتابة في المشهد السياسي السوري على مدى عقود. حركات تأتي بعد ظاهرة ربيع دمشق مطلع الألفية الجديد، التي لم تصمد طويلاً. لذلك كان إعلان دمشق الذي ظهر في مناخات دولية ضاغطة حاول النظام الاستفادة منها لتخوين الموقّعين على هذا الإعلان. فإعلان دمشق الذي يرفع شعار «التغيير الوطني الديموقراطي» أصدر بيانه في 16تشرين الأول 2006، وهو إطار واسع لائتلاف عريض ومفتوح ضمّ أحزاباً وقوىً وتيارات وهيئات مدنية وشخصيات مستقلّة، ذات منابت أيديولوجية مختلفة في برامجها ومشاريعها السياسية، لكنها تلاقت حول هدف مشترك وكبير عنوانه: الانتقال بالبلاد من الاستبداد إلى الحرية والديموقراطية، الأمر الذي يتطلب تحويله أكثر فأكثر إلى حركة مجتمعية، تتوجّه نحو الشعب وتنفتح على تياراته المختلفة، حسبما جاء في البيان الختامي للمجلس الوطني لإعلان دمشق الذي اجتمع في مطلع كانون الأول عام 2007.
وضمّ المجلس الوطني لإعلان دمشق، الذي لوحق أعضاؤه وسجن بعضهم، تيارات أساسية في المجتمع السوري من قوميين ويساريين وليبراليين وإسلاميين ديموقراطيين.
ولحظ المجلس في دورته الأولى خطورة سياسات النظام من «استمرار احتكار السلطة، ومصادرة إرادة الشعب، ومنعه من ممارسة حقه في التعبير عن نفسه، والاستمرار في التسلّط الأمني والاعتداء على حرية المواطنين وحقوقهم في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية والإجراءات والمحاكم الاستثنائية والقوانين الظالمة بما فيها القانون (49 ) لعام 1980، والإحصاء الاستثنائي لعام 1962، ومن خلال الأزمة المعيشية الخانقة والمرشحة للتفاقم والتدهور، التي تكمن أسبابها الأولى في الفساد وسوء الإدارة وتخريب مؤسسات الدولة، وذلك كله نتيجة طبيعية لحالة الاستبداد المستمرة لعقود طويلة».
ويرى «إعلان دمشق» أن التغيير الوطني الديموقراطي «عملية سلمية ومتدرّجة، تساعد في سياقها ونتائجها على تعزيز اللحمة الوطنية، وتنبذ العنف وسياسات الإقصاء والاستئصال، وتشكّل شبكة أمان سياسية واجتماعية تساعد على تجنيب البلاد المرور بآلام مرت، وتمرّ بها بلدان شقيقة مجاورة لنا كالعراق ولبنان وفلسطين».
أما التحوّل المطلوب في الهيكلية السياسية وعلى مستوى إعادة بناء الدولة المدنية الحديثة، فينبغي بنظر الإعلان أن تتأسّس الدولة على عقد اجتماعي يتجسّد في دستور جديد، يكون أساساً لنظام برلماني، ويضمن الحقوق المتساوية للمواطنين ويحدّد واجباتهم.
على المستوى القومي، ودحضاً لاتهامات السلطة لناشطي هذا التجمع بالخيانة والعمالة وفق مخطط خارجي، يرى إعلان دمشق أن عملية التغيير تهدف إلى «حماية البلاد وسلامتها، واستعادة الجولان من الاحتلال الإسرائيلي». ويقول البيان الختامي للدورة الأولى «نحن إذ ندرك أن عملية التغيير هذه تهدف أيضاً إلى الحفاظ على الاستقلال الوطني وحمايته، فإنها تحصّن البلاد من خطر العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارات الأميركية والتدخّل العسكري الخارجي».