صنعاء| لا يزال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يبدي مقاومة تجاه «تسونامي» إعلان قادة رفيعي المستوى في الجيش انضمامهم إلى «ثورة الشباب اليمنية»، الذي افتتحه إعلان اللواء علي حسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى المدرعة، والأخ غير الشقيق للرئيس صالح. مقاومة ظهرت من خلال أحداث يوم أمس، وتكثفت في اجتماع له مع قيادات في الجيش لا تزال موالية له، إذ قال: «إن أي محاولة للاستيلاء على السلطة يمكن أن تؤدي لحرب أهلية».
كلام جاء بالتوازي مع تصريح للمستشار الإعلامي الخاص بصالح، أعلن فيه أن الرئيس «لا يسعى إلى السلطة، لكنه لا يريد أن يتنحى قبل أن يعرف من الذي سيتسلم السلطة منه». لكن هذا الكلام لا يتسق كلياً مع مضمون ما أتى به صالح في اجتماع أمس، الذي بثه التلفزيون الرسمي، وطالب فيه القادة العسكريين الذين أعلنوا تأييدهم لثورة الشباب التحلي بالشجاعة والعدول عن قرارهم وعدم الرضوخ لما وصفه بـ«الإرهاب الإعلامي»، وهو الإعلام نفسه الذي اتهمه صالح بـ«أداء الدور السيئ في كل ما يحدث اليوم»، مؤكداً أنه على الرغم من كل هذا، «المؤسسة العسكرية هي صمام أمان وليست ملك أحد»، وهي مؤسسة «متماسكة وثابتة وملك لكل الوطن وعليها الالتزام بالأنظمة والقوانين والشرعية الدستورية».
ولم يغفل صالح عن ترديد العبارات نفسها التي لطالما كررها على مدى السنوات الطويلة الماضية، قائلاً: «على من يريدون الصعود إلى السلطة عبر انقلاب، أن يدركوا أن زمن الانقلابات قد انتهى، وأن يعرفوا أن هذا مستحيل وأن البلاد لن تعيش في استقرار، حيث إن الشعب مسلح وستندلع حرب أهلية».
هكذا وضع صالح الشعب اليمني بين خيارين: إما هو أو الحرب الأهلية، من دون أن يبدو مدركاً للوضع الجديد الذي فرض نفسه على الأرض، والذي زعزع ثوابت رسخت في عقله طوال سنوات حكمه.
لكن يبدو واضحاً أن هذا الكلام يأتي في سياق حرب إعلامية لا أكثر ولا أقل، وهو أشبه بحيلة أخيرة تمكنه من القفز فوق حقائق صارت موجودة فعلاً على الأرض، ولا يريد هو أن يراها. حقائق تقول إنه صار عليه أن يكون على يقين بأن فترة صلاحيته قد انتهت ولم يعد من الممكن بقاؤه في السلطة، ولا حتى إلى نهاية العام الحالي، وهو العرض الذي تقدم به لأحزاب اللقاء المشترك، فرفضته.
صالح بات محاصراً داخل قصره الرئاسي الذي صار محاطاً بعدد كبير من الدبابات التابعة للحرس الجمهوري، الذي تقع إدارته تحت قيادة نجله أحمد. حرسٌ صار من الواضح أنه القوة الوحيدة الضاربة التي يمتلكها ويحاول من خلالها وضع حد للتدهور المتسارع الذي تعيشه القوى التي كانت إلى وقت قريب تحت سيطرته. وهي القوة نفسها التي نزلت مساء أمس لمحاصرة قاعدة القوة الجوية في مدينة الحديدة (غرب صنعاء)، بعدما أعلنت قيادتها تأييدها لثورة الشباب ومطالب التغيير. واللافت في هذا الإعلان أن قيادة هذه القوة تعود للعقيد ركن طيار أحمد السنحاني، الذي ينتمي إلى المنطقة نفسها التي ينتمي إليها صالح. لكن توقيت الإعلان، الذي جاء بعد بيان علي محسن الأحمر أول من أمس، يشير إلى تعميق العزلة حول الرئيس وانفضاض أبناء منطقته عنه واحداً تلو الآخر.
وتحدثت أنباء صحافية عن اعتقال أحمد السنحاني واقتياده إلى العاصمة صنعاء. ويمكن اعتبار إعلان انضمام هذه القاعدة الجوية إلى ثورة الشباب بمثابة أول انشقاق يحدث في صفوف القوة الجوية التابعة للجيش اليمني.
ويأتي هذا في وقت خسرت فيه قوات من الحرس الجمهوري معركة في المكلا (جنوب اليمن) لمصلحة قوات تابعة للفرقة الأولى المدرعة التابعة للواء علي محسن الأحمر، بعد اندلاع مواجهة بينهما في ساعات مبكرة من صباح أمس، أدت إلى مقتل ثلاثة ضباط من الحرس الجمهوري. هدفت المعركة إلى السيطرة على القصر الجمهوري في هذه المنطقة، الذي صار الآن تحت أيدي الفرقة.
وتدل هذه الواقعة، يضاف إليها انتشار الحرس الجمهوري حول محيط القصر الرئاسي في صنعاء وما حدث في الحديدة، على أن المعركة المقبلة هي معركة خاصة بالحرس الجمهوري التابع لنجل الرئيس من جهة، وبين الجيش من جهة أخرى، الذي يتضح مع مرور الوقت أنه بات تحت سيطرة الأحمر. معركة لا يبدو أنها ستكون متكافئة بينهما، إذ تميل الكفة، بسهولة، نحو الأخير. أمر يبعث على التساؤل عن السبب الذي يجعل اللواء الأحمر متمسكاً حتى اللحظة بدعوته صالح إلى ضرورة التخلي عن السلطة دونما محاولة منه للتدخل العسكري المباشر.
من جهة أخرى، زار زعيم قبائل حاشد صادق الأحمر ساحة الاعتصام أو «ساحة التغيير» في صنعاء، وأكد للشباب سلمية الثورة، مبدياً استغرابه الكلام على سرقة الثورة من العسكر. وقال: «أود أن أؤكد لكم أننا لن نسرق ثورتكم نهائياً. فالثورة ثورتكم، وإن من يريد أن يشوه أو يوجد الخلاف بيننا فهو محتال وكذاب وأرعن».
وكان مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين قد أدان «الجرائم بحق المدنيين» التي ترتكب في اليمن، وحض السلطات اليمنية على «التعامل مع مطالب شعبها بالطرق السلمية».