نيويورك| وقفت الهند والبرازيل، فضلاً عن روسيا والصين وألمانيا، على الحياد أمام قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1973 الذي صدر أمس بعشرة أصوات، وقدمته فرنسا ولبنان وبريطانيا. قرار يركز على حماية المدنيين ومنع ارتكاب قوات العقيد معمر القذافي مجازر في شرق ليبيا وغربها. الدول الممتنعة بررت ذلك انطلاقاً من اعتباراتها السياسية والاستراتيجية ومصالحها الاقتصادية. فهي تتحفظ على التدخل العسكري في ليبيا دعماً لأي طرف، بالرغم من المشاركة والمباركة العربيتين على الصعيدين السياسي والعسكري.
وزير خارجية فرنسا، آلان جوبيه، تحدث في مطلع الجلسة عن مسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين من الأنظمة الاستبدادية على طريقة معمر القذافي الذي يهاجم أبناء بلده بما يعدّ «جرائم ضد الإنسانية»، وطالب بجلبه للمحاكمة أمام محكمة الجنايات الدولية.
القرار نص في فقرته الرابعة على منح الحق «للدول الأعضاء التي أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية بالتدخل في ليبيا من أجل حماية المدنيين وأماكن وجودهم المهدّدة بهجمات ضمن الجماهيرية العربية الليبية، بما فيها بنغازي»، وهذا يستثني دخول قوات احتلال عسكري على الأرض، ويطلب من الدول الأعضاء إبلاغ الأمين العام مباشرة بالإجراءات المتخذة تبعاً للتخويل الممنوح لها بموجب هذه الفقرة. وفي الفقرة الثامنة، سمح للدول «فرادى ومن خلال منظمات أو في تشكيلات إقليمية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتنفيذ حظر الطيران».
أسئلة كثيرة أخّرت التصويت حتى الساعات الأولى من فجر أمس، طلباً لإقناع أكبر عدد ممكن من الدول. من سيضرب؟ وكيف؟ وأي قواعد ستستخدم للانطلاق؟ ومن يموّل الحملة؟ وكيف يمكن التمييز بين حماية السكان المدنيين ومساعدة الثوار؟ وكيف يمكن تمييز أسلحة الثوار المضادة من أسلحة النظام؟ وغيرها من الأمور المعقّدة الحمّالة للالتباس والخطأ.
جاء وزير خارجية فرنسا ألان جوبيه إلى نيويورك خصيصاً لمتابعة المشاورات، وسط حديث عن استعداد فرنسي لشن هجمات أحادية الجانب على قوات العقيد. وأعلنت مصادر دبلوماسية فرنسية أنّ غارات جوية محددة الأهداف قد تشن ليل الخميس الجمعة على مواقع للجيش الليبي، فور موافقة الأمم المتحدة على استخدام القوة. الغارات قد تشن ضمن إطار عملية تقوم بها فرنسا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، كما أوضح مصدر قريب من الملف. وهناك تفكير بعقد قمة ثلاثية بشأن ليبيا، تضم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية في باريس السبت بناءً على دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.
القرار الجديد، الذي دُرس بعناية طوال النهار والليل وبقي الأعضاء يتشاورون فيه حتى اللحظات الأخيرة، ركّز أساساً على موضوع المدنيين وطرُق حمايتهم من الجوّ والبحر، لكن من دون التورط بقوات برّية في غابة الأسلحة المنتشرة في كل نواحي ليبيا. أمر كرّرته المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس، حين قالت إن منطقة الحظر الجوي وحدها لا تكفي لحماية المدنيين كما برهنت التجارب. وكان المندوب الروسي فيتالي تشوركين قد حذّر من إعطاء تفويض مفتوح من هذا النوع بغضب ظاهر عندما عرض مشروعه الذي خلا من أي ضغط فعلي على القذافي.
القرار في صيغته الأخيرة يدعو إلى «تلبية مطالب الجماهير الليبية الشرعية»، في إحداث «إصلاحات سياسية ماسّة من أجل إيجاد حل سلمي دائم» للنزاع، وبالتالي لا يتضمن دعوة إلى تغيير النظام أو إسقاطه، إذ تركت هذه المسألة لليبيين.
يشار إلى أن الولايات المتحدة لم تكن متحمسة للمشاركة في تبنّي قرار جديد، لكنها غيّرت موقفها بعد زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لتونس واستماعها إلى آراء عربية في هذا الخصوص. وربط البعض بين هذا التحول واختفاء 4 صحافيين أميركيين، وتعرض صحافيين آخرين من بريطانيا للمعاملة السيئة، بينهم صحافيان من «بي. بي. سي.» البريطانية. هؤلاء تعرضوا للإعدام تمثيلاً، أمر ربما لم يقدّر العقيد الليبي أبعاده ومضاعفاته.
بدوره، قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز، أمس إن أي خطوة مقبلة قد تتخذها الولايات المتحدة في ليبيا ستنفّذ بالشراكة مع الدول العربية، محذراً من أن قوات الزعيم الليبي معمر القذافي أصبحت على بعد 160 كيلومتراً من بنغازي.
وأشار بيرنز، في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إلى أن الولايات المتحدة تتحرك بأسرع ما يمكنها في نيويورك للحصول على تفويض إضافي للمجتمع الدولي للنظر في مجموعة واسعة من الخطوات تجاه ليبيا. من الخطوات التي نص عليها القرار: تشديد الحصار على النظام الليبي الذي يواجه تحقيقاً جنائياً من محكمة الجنايات الدولية، وحظر للسلاح، وتجميد لحسابات العشرات من أبناء القذافي وأعوانه. وطُلب في القرار الجديد من الأمين العام تأليف لجنة ثُمانية للمتابعة والملاحقة.
وقال بيرنز إن أي خطوات تتخذها الولايات المتحدة في ليبيا ستكون في إطار شراكة مع العرب «في ما يخص الإجراءات التي ستتخذ وفي ما يتعلق بالدعم المالي لهذه الخطوات». وفي الناحية الأخيرة، هناك نفقات قدرت بـ1.5 مليار دولار شهرياً لتنفيذ عملية الحظر الجوي. مبلغ يمكن أن يرتفع بسهولة.
بدورها، هدّدت ليبيا باستهداف الملاحة الجوية والبحرية، المدنية والعسكرية، في منطقة حوض البحر المتوسط رداً على أي عمل عسكري أجنبي ضدها. وقال ناطق باسم وزارة الدفاع الليبية «إن أي عمل عسكري خارجي ضد ليبيا سيعرّض جميع الملاحة الجوية والبحرية في البحر المتوسط للخطر وستصبح كل السابلة، المدنية والعسكرية، أهدافاً للهجوم الليبي المضاد». وأضاف «إن حوض البحر المتوسط سيصبح في خطر شديد، ليس فقط على المدى القصير، بل أيضاً البعيد».