... وبعد شهر على اندلاعها، فجّرت انتفاضة «14 شباط» خلافات الأسرة الحاكمة في البحرين، بين الجناحين، المتشدّد بزعامة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد، والليبرالي بزعامة ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، بشأن طريقة إدارة الأزمة؛ وما كان يُثار داخل الغرف المغلقة، بات حديث الصالونات السياسية. أولى ثمار هذا الخلاف انسحاب رأس الجناح المتشدّد الى لندن، لتخلو الساحة لولي العهد.
وتحدثت مصادر عدة عن سبب سفر خالد بن أحمد إلى لندن، فذكرت صحف بحرينية أنها بداعي العمل، فيما أفادت مصادر أخرى أنها بداعي العلاج؛ لكن هناك روايات متنوعة تحدثت عن إشكال وقع بين ولي العهد ووزير الديوان على طريقة إدارة الأزمة مع «البحارنة» (ويقصد بهم الشيعة)، وذلك خلال اجتماع مجلس العائلة الحاكمة الأخير. فوزير الديوان يظهر امتعاضاً من طريقة إدارة ولي العهد للأزمة، والتعاطي الرسمي مع التظاهرات، ويحبّذ خيار استخدام القوة لضرب الاعتصامات، ويرى في مبادرة ولي العهد للحوار ضعفاً. وقالت مصادر قيادية معارضة لـ«الأخبار» إن انسحاب وزير الديوان يسهم في عزله من أجل التمهيد للحوار.
نتيجة يبدو أنها لم تعجب الحليف السعودي، وبالتحديد الجناح المتشدّد منه بزعامة وزير الداخلية، نايف بن عبد العزيز، الذي تجمعه مع وزير الديوان صداقة قديمة، فهو يمثل في النهاية امتداداً لجناحه في الأرخبيل الخليجي. وبعدما انتشى الأمير نايف بما عدّه «إنجازاً» في السعودية ضدّ «أشرار» التظاهرات، إثر «فشل» يوم الغضب السعودي، قرّر أن يسحب إنجازاته باتجاه البحرين، لنجدة حليفه.
على الأقل، هذا ما يمكن تلمّسه من خلال أنباء راجت أمس عن دخول قوات خليجية الى البحرين عن طريق جسر الملك فهد، والأجواء التي رافقته، وهو خبر نقلته صحيفة «الأيام» البحرينية الموالية نقلاً عن مصادر مطلعة، ليُكرَّر نقلاً عن المستشار الإعلامي للملك نبيل الحمر على موقع «تويتر»، وذلك يعني تلقائياً دخول قوات سعودية، بما أنّ عماد القوات الخليجية سعودي.
التدخل السعودي هو الورقة التي لُوّح بها منذ بداية الانتفاضة. بدأت أولاً مع فجر الخميس الشهير، حين اعتدي على المعتصمين وهم نيام في دوار اللؤلؤة، وانتشرت معلومات عن دخول قوات سعودية الى المملكة للمشاركة في قمع الاحتجاجات؛ واستمر التلويح بها في كل اجتماع لاحق لدول مجلس التعاون الخليجي؛ فمع الجزرة المتمثلة في مساعدات بمليارات الدولارات للبحرين وسلطنة عُمان ومشروع «مارشال» خليجي، رُفعت العصا لتُلوّح بأن الأمن الخليجي كلّ لا يتجزأ، في إشارة مباشرة إلى التكتل في وجه رياح الثورات المتنقلة، وغير مباشرة تستهدف قطع الطريق على أي تدخل إيراني.
وفي ظل الشائعات المتناثرة عن دخول القوات السعودية عبر جسر الملك فهد، وعن عديدها الذي قالت أوساط إنه يقارب 40 ألف جندي، سارع قادة المعارضة الى استبعاد حصول هذا الأمر. وقال الأمين العام لحركة «حق»، حسن مشيمع، لـ «الأخبار» إنه «اتضح أن هذا الأمر لم يكن صحيحاً». ومن دون أن يحسم صحة الشائعات، رأى أن الخبر يُعدّ جزءاً من الحرب النفسية والتهويل، ولا سيّما أن «الأيام» هي التي سرّبته.
بدوره، أكّد النائب عن جمعية «الوفاق»، جواد فيروز، لـ «الأخبار»، أنّهم لم يرصدوا أيّ وجود لقوات خليجية عند نقطة الحدود المشتركة. وأوضح أن «مجموعة من الإخوة أُرسلت الى الحدود، وحتى هذه اللحظة لم نرصد أيّ دخول لأي قوات». ورأى أن «هذه الشائعات هي أساليب متّبعة لخلق حالة ضغط».
وأشار فيروز إلى أن وزير الديوان جزء من الأزمة، قائلاً «إنّه يتزعم الجناح المتشّدد مع شقيقه قائد قوة الدفاع خليفة بن أحمد آل خليفة، وإنّه يأمر وينهى كيفما يشاء». وعن مغادرته الى لندن، تابع القول «يبدو أنّ هذه السياسة المتشدّدة» لم تتناسب مع الأجواء الحوارية.
وتأتي هذه التطورات بعدما شهدت الأوضاع تصعيداً خطيراً على الأرض خلال اليومين الماضيين، نتيجة الأجواء المشحونة، وشعلة احتكاكات طائفية متنقّلة من المدارس الى الجامعات الوطنية، ونشاط بلطجي متزايد وحواجز «أهلية» لمنع دخول غير أهل المنطقة إليها. أجواء بلغت الذروة في اشتباكات بدأت منذ ساعات الصباح الأولى بين المعتصمين والقوات العسكرية والأمنية ولم تنته مع حلول الليل.
وفي ظل هذه الأوضاع، خرج ولي العهد ليُعلن أن «مشروعية المطالبة يجب ألّا تجري على حساب الأمن و الاستقرار»، وأن «أمن البحرين وسلامة مواطنيها ووحدتهم الوطنية لم ولن تكون محلاً للمساومة من جانب أيّ طرف». وأكّد أنه «خلال الفترة السابقة عملنا جاهدين على خلق تواصل فعّال بين مختلف الأطراف للتعرف إلى وجهات النظر التزاماً منا بالبدء بإقامة حوار وطني شامل». وتابع «بيّنّا موافقتنا على ما طُرح للحوار من مبادئ ومن ضمنها: مجلس نواب كامل الصلاحيات، وحكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، والتجنيس... وأملاك الدولة..». وأعرب عن «عدم الممانعة من عرض ما يجري التوافق عليه في الحوار الوطني في استفتاء خاص».
وفي خطوة باتجاه الحوار، التقى وزير الإسكان البحريني مجيد العلوي ورئيس مجلس التنمية الاقتصادية محمد بن عيسى بالشيخ عيسى قاسم للوقوف على مطالب المعارضة. وأكّدت مصادر أنّ قاسم نقل تمسك المعارضة بالملكية الدستورية، وكان الردّ بأنّ الحكومة ستقبل الملكية الدستورية، فطلب قاسم أن يعلن ذلك رسميّاً.
وبالعودة إلى التطورات الميدانية ليوم أمس الحافل، قال شاهد عيان لـ «الأخبار» إن شباب الانتفاضة المعتصمين في المرفأ المالي، الذي يبعد نحو 400 أو 500 متر فقط عن دوار اللؤلؤة، حيث مقرّ الاعتصام، تأهّبوا بعد الفجر لتطويق المرفأ وقطع طريق الملك فهد. وبالفعل تمكنوا من قطع الطريق، وعلى الأثر أتت تعزيزات أمنية وحاصرت المعتصمين، وتفاوضت معهم في البداية للانتقال الى المكان المخصص للاعتصام في اللؤلؤة، لكن الشباب تراجعوا الى خيمهم أمام المرفأ المالي، وجلسوا أرضاً، فردت القوات الأمنية بإطلاق قنابل الغاز المسيل والرصاص المطاطي، وأجبرتهم على التراجع.
وأضاف الشاهد إنه في هذه الأثناء كان قد بلغ شباب اللؤلؤة خبر الهجوم، فتقدّموا باتجاه المرفأ، لكن عناصر من القوات الأمنية بدأوا بالتقدّم من جهة مجمع «سيتي سنتر» المقابل للدوار، فبات المعتصمون عندها محاصرين من الجهتين. ووقعت اشتباكات استمرت ساعتين، بعدها أعلن رجل الدين الشيعي محمد حبيب المقداد الموجود في ساحة الاعتصام، بواسطة مكبّرات الصوت أن الحالة لا يمكن أن تستمر، داعياً القوات الأمنية إمّا أن تكمل هجومها «أن تقتلونا وتحسموا الموضوع»، أو أن الشباب سيهجمون بصدور عارية. وبعد نصف ساعة من خطاب المقداد، تقدّم الشباب باتجاه القوات الأمنية، التي تراجعت مطلقةً الغاز المسيل للدموع ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى من الطرفين.
أما رواية وزارة الداخلية، فتقول إن «مجموعة من المتجمهرين بلغ عددهم 350 شخصاً قطعت شارع الملك فيصل بالوقوف في وسط الطريق بهدف منع الموطنين من الوصول إلى أعمالهم». وأضافت إنه «في إطار اتخاذ الإجراءات الأمنية الوقائية رابطت قوات حفظ النظام في الموقع، حيث توجّهت قوة من مديرية أمن العاصمة وشرطة خدمة المجتمع وشرطة المرور إلى الموقع لفتح الطريق والتفاوض مع المتجمهرين، إلا أنهم لم يستجيبوا لذلك، واعتدى عدد منهم على أفراد الأمن الذين لم يكونوا يحملون أيّ سلاح، وأدّى ذلك إلى إصابة 14 من رجال الأمن، أحدهم أصيب بإصابة بالغة بالرأس، كما تعرض آخر للطعن، واضطرت قوات حفظ النظام إلى استخدام عدد من الطلقات المسيّلة للدموع لتفريق المتجمهرين».
حالة التوتر العالي هذه انسحبت على حرم الجامعات، وتحديداً جامعتي البحرين (في منطقة الصخير) ومدينة عيسى. وأفاد شهود لـ «الأخبار» أن «مجموعة من أبناء المجنّسين افتعلوا مشكلة داخل الجامعة». وبعد فترة وجيزة دخلت حرم الجامعة مجموعة ممّن سمّوهم «بلطجية» يحملون السيوف والآلات الحادة، وضربوا طلاباً، ما أدى الى وقوع إصابات عديدة. كذلك وقعت اشتباكات داخل جامعة مدينة عيسى، وتعرض أستاذ للطعن، وعلى الأثر توجه الشباب المرابطون في دوّار اللؤلؤة الى الجامعة.
من جهة ثانية، أجرى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس زيارة للمملكة، والتقى الملك حمد وولي العهد سلمان، وقد أعلن الأخير أنه يؤيد إجراء استفتاء بشأن أيّ اتفاق يجري التوصل اليه مع المعارضة عبر الحوار الوطني، فيما رأى غيتس أنه «ينبغي للبحرين إجراء إصلاحات سياسية جوهرية وسريعة لوضع حد لأيّ تدخل إيراني محتمل».
وفي مبادرة لامتصاص هذا التوتر الطائفي، يُرتقب أن تُسيَّر تظاهرة يوم غد الثلاثاء دعا اليها المجلس الإسلامي العلمائي تحت شعار «الأخوّة الإسلامية والوحدة الوطنية» بمشاركة السنّة والشيعة، تنطلق من جامع رأس الرمان إلى مركز الفاتح الإسلامي، وتقام فيها صلاة موحدة.



نايف يهاجم «الأشرار»

دفع فشل «يوم الغضب» السعودي، الذي كان متوقعاً يوم الجمعة الماضي، وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز (الصورة)، إلى الإعلان أن شعب المملكة «الوفي» أحبط خطط «بعض الأشرار» لتنظيم احتجاجات، قائلاً: «أتقدّم بالتهنئة إلى سيدي الملك عبد الله، وولي عهده الأمين الأمير سلطان بهذا الشعب الكريم... الشعب الوفي». وأضاف: «أراد بعض الأشرار أن يجعلوا من المملكة مكاناً للفوضى»، مشيراً إلى أن الشعب السعودي «أثبت للعالم أنه في قمة التلاحم مع قيادته».
ورأى نايف أن الشعب السعودي «شعب واع وكريم ولا تنطلي عليه الافتراءات»، قائلاً: «لا يفوتني في هذا المقام إلا أن أشكر مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وعلماءنا، فقد ردوا بقوة وثقة بالله على الأشرار».
(أ ف ب، يو بي آي)