طهران | الجميع كان ينتظر ما سيؤول إليه اللقاء بين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما كان الترقب إيرانياً أكثر منه روسياً أو إقليمياً، ولكن النتائج التي صُرِّح عنها، عقب هذه الزيارة، لم تنحصر في التعاون على المستوى السياسي والاقتصادي فقط، كما أنها سورياً تعدّت "تبني وجهة نظر موحدة"، إلى التنسيق من أجل زيادة الحضور الميداني الروسي والإيراني على الأراضي السورية. وبما أن رأس السلطة في إيران لا يعتمد الدبلوماسية في أحاديثه ولا يراوغ، لذا ستكون المرحلة المقبلة للأفعال على الأرض، بعيداً عن التصاريح والإعلام، بوجود سرية كبيرة في فهم عمق العلاقة المتنامية، ذلك أن طهران لن تعلن العداء لأي من دول المنطقة وستبقى على شعرة معاوية مع كافة الأطراف، ولكنها ستستفيد من الاندفاعة الروسية لتمرير سياساتها بسلاسة ومرونة.
فإسقاط تركيا للطائرة الروسية أمر لا يعنيها مباشرة، ولذلك نأت بنفسها عن الاستنكار والتصريح العلني، وهي تعرف جيداً أن الاستهداف الروسي يعني استهدافاً لها، ولكنها تنتظر اللحظات المعينة لتردّ على الاعتداءات التي طاولت حلفاءها بضرب حلفاء أعدائها، وهذا ما ستظهر مفاعيله خلال الفترة القصيرة المقبلة في ميدان المعركة السوري. إذاً لا لبس في التعاون المشترك بين البلدين مستقبلاً، وما يظهر من هذه العلاقات ما زال يخفي الكثير في طياته.
الاهتمام الإيراني الكبير بزيادة هذا التعاون بين البلدين انعكس بنتائجه، التي أرست مرحلة جديدة من الثقة، فالرئيس الروسي شدد على مصطلحات كثيرة، وهو العالم بأن الحديث مع المرشد الأعلى سيكون على درجة عالية من الدقة، فيما الجميع في إيران، على المستوى السياسي والعسكري، يخضع لكلام هذا الرجل.
"روسيا لا تخذل حلفاءها ولا تطعن بهم"، عبارة أشار إليها الرئيس الروسي، خلال اللقاء، ليزيل من ذاكرة الإيرانيين بعض التجارب التي تراجعت خلالها موسكو عن وعودها، كالتأخير في إنشاء مفاعل بوشهر الكهروذري جنوب البلاد وتسليم منظومة الدفاع الجوي "اس-300 ".
ستكون المرحلة المقبلة للأفعال على الأرض بعيداً عن التصريحات والإعلام

المرحلة المقبلة ستشهد فتح صفحة جديدة، فالخطر المشترك بحاجة إلى دول قوية قادرة على أن تكون مسيطرة أولاً على وضعها الداخلي، ومستقرة سياسياً، وهذا ما تحاول موسكو البحث عنه، لتجد ضالّتها في إيران. ستسمح الرؤية المشتركة بين البلدين بتطوير التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري، وحتى الأمني، لرفعه إلى مستويات غير مسبوقة.
هي جلسة مصارحة استغرقت ساعتين، توزّعت خلالها الابتسامات، واستفاض الحديث عن مستقبل المنطقة، فالجانب الإيراني أكد لضيفه أن لا يشك في حتمية الانتصار على الإرهاب، إذا كانت هناك نيات صادقة في محاربته، كالنية الروسية الحالية التي تتشارك في أهدافها مع طهران، وتركز الحديث كثيراً على الدور الأميركي. فلا حاجة لواشنطن في محاربة الإرهاب، خصوصاً أن القوى الفاعلة على الأرض تحقق إنجازات عسكرية وتحرز تقدماً خارج إطار منظومة حلف "الناتو" أو التحالفات الإقليمية والدولية العسكرية.
وفي موازاة كل ذلك، بدأت المغريات الروسية قبل زيارة بوتين لإيران، برفع الحظر عن صادرات اليورانيوم. وبحسب العارفين بخفايا التعقيدات الإقليمية، فإن طهران ليست بحاجة إلى ضمان من أحد لاستكمال دعمها اللوجستي والعسكري والسياسي لمحور الممانعة، وهي أيضاً لا تحتاج لأي من المغريات، ما دامت قد استطاعت أن تجبر أعداءها على الإقرار بدورها الإقليمي، ويضطرّون مكرهين إلى دعوتها لتكون جزءاً من الحل السوري. لكن موسكو أصرّت على منح امتيازات لطهران، عبر صفقة اليورانيوم التي بموجبها ستبيع إيران للروس تسعة أطنان من اليورانيوم المخصّب لتتسلم، إضافة إلى عائدات البيع، كمية 140 طناً من اليورانيوم الطبيعي، ذلك أن كمية ضخمة تعد كافية لسد الاحتياجات الإيرانية مستقبلاً، كما تعتبر ورقة رابحة بيد الجمهورية الإسلامية، التي أنقصت مخزونها من اليوانيوم إلى مئات الكليوغرامات، ما يسمح بأن تكون هذه الكمية بمثابة مخزون استراتيجي من اليورانيوم الطبيعي في إيران.
وفي سياق اللقاء أيضاً، وصف مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي اللقاء الذي جرى بين بوتين وخامنئي بالقول إنه "في تاريخ الجمهورية الإسلامية، لم نشهد اجتماعاً إستراتيجياً بهذه الأهمية"، مضيفاً أن "هذا اللقاء مع المرشد الأعلى يعد الأهم والأبرز، على مدى السنوات الـ ٣٧ من عمر الثورة، من حيث الشكل والمضمون والمحتوى والمواضيع الإستراتيجية والوضوح".
وأشار إلى أن "بوتين قال إن لا حدود للتعاون المشترك بين البلدين، على الصعد كافة، كما أضاف أنه لن يتم الاتفاق مع أي من الدول المشاركة في مباحثات فيينا حول سوريا، من دون التنسيق مع إيران، وأكد الجانبان أن أي حل في سوريا لا يرضي الحكومة السورية، لن يكون نافذاً".