ما إن تكتب كلمات النهر الصناعي العظيم على محرّك البحث، حتى تنهال عليك النصوص التي تحكي عن مدى إيجابيات هذا النهر، والثورة الهندسية التي أحدثها، حتى بات البعض يضيفه إلى عجائب الدنيا السبع.. لكن أن الحقيقة غارقة في الجدل بين المتخصصينهو العقيد معمر القذافي نفسه، الذي ينكّل بشعبه، أمَر يوماً بإطلاق مشروع النهر الصناعي العظيم. مشروعٌ يصفه بعض الليبيين بـ«ثامنة عجائب الدنيا»، لأنه أوجد الماء في الصحراء بعدما احتال على تاريخ الطبيعة، وما خزنته مع مرور الزمن. ومع إصرار القذافي على البقاء في السلطة، ومع حديث وسائل الإعلام بكثافة عن المجازر التي ارتكبها في تاريخه ولا يزال، يأتي وجه «النهر» الإيجابي في تاريخ العقيد، هذا عند الإجماع على الموافقة على «مزايا» هذا النهر، الذي يراه البعض «كارثة».
انطلاقاً من كون ليبيا دولة صحراوية، عانت مشاكل جمّة في نقص المياه، وكانت الآبار الجوفية للمياه العذبة في المناطق الساحلية ملوّثة، فيما مياه مدينة بنغازي غير صالحة للشرب. بدأت قصة النهر الصناعي عام 1953، حين اكتشفت شركات التنقيب الغربية في مناطق الجنوب الشرقي والجنوب الغربي، مخزوناً هائلاً من المياة الجوفية النقيّة، ورأى بعض المتخصصين أنه يمكن استغلاله في تنمية الجنوب والوسط الليبي، على أن يُغذّى الشمال من خلال تحلية مياه البحر.
ظل المشروع على الورق لفترة طويلة، إلى أن أعلن الرئيس الليبي عام 1983، عزمه على «إمرار» نهر اصطناعي في قلب الصحراء، حلّاً لمشكلة النقص الشديد في المياه. وعام 1984، وضع القذافي حجر الأساس لمصنع أنابيب المياه في برقة، وانطلق المشروع.
يستند المشروع إلى نقل المياه العذبة عبر أنابيب ضخمة مدفونة في الأرض، يبلغ قطر كل منها أربعة أمتار، وطوله سبعة أمتار، لتشكل في مجموعها نهراً صناعياً بطول تجاوز في مراحله الأولى أربعة آلاف كيلومتر، تمتدّ من حقول آبار واحات الكفرة والسرير في الجنوب الشرقي، وحقول آبار حوض فزان وجبل الحساونة في الجنوب الغربي، لتصل جميع المدن التي يتجمع فيها السكان في الشمال. وسيتغذّى النهر في المستقبل برافدين آخرين، الأول من واحة غدامس والآخر من واحة الجغبوب. وأظهرت الدراسات الفنّية والاقتصادية والاجتماعية إمكانية نقل هذه الكميات الهائلة من المياه الجوفية إلى المناطق التي تتوافر فيها الأراضي الزراعية الخصبة والكثافة السكانية العالية والبنية الأساسية الزراعية، على أن يُنقل نحو 6.5 ملايين متر مكعب من المياه العذبة يومياً لأغراض الزراعة والصناعة ومياه الشرب. وقد خصص ما يزيد على 75 في المئة منها لاستخدامه في الأغراض الزراعية، التـي ستخفف بدورها من وطأة السحب المتزايد من المياه الجوفية فـي مناطق الشريط الساحلي.
ومع إعلان المشروع، دُعيت شركات أجنبية من كوريا الجنوبية وتركيا وألمانيا واليابان والفلبين وبريطانيا للإسهام في التنفيذ. وفي أيلول عام 1993، انتهت المرحلة الأولى بوصول المياه العذبة إلى بنغازي من الآبار الجوفية في الشرق، ثم الثانية بوصولها إلى طرابلس من الآبار الجوفية في الغرب.
وبفضل النهر الصناعي العظيم، الذي تكلف نحو 30 مليار دولار، أصبحت ليبيا الآن من الدول الرائدة في العالم في الهندسة الهيدروليكية.
تسلّط هذه المعلومات الضوء على إيجابية هذا النهر، وتشير الدراسات إلى دوره في إنقاذ ليبيا من الجفاف. إلا أن هذا المشروع المحاط بالسرية، والذي لا يبدو أن العمل فيه قد انتهى، لا يبدو مشروعاً جيداً بحسب بعض الخبراء. إذ يقولون إن النهر الصناعي الكبير كانت له آثار مرعبة على الحالة البيئية في المنطقة، لأن المخزون المائي غير متجدّد ومحدود، وبالتالي ستُستنزف جميع المياة الصالحة للحياة في الجنوب، ما سيتسبب في مقتل الكائنات الحية وتهجير جميع المواطنين إلى الشمال مع انتهاء المخزون المائي، أي قتل الجنوب. ويرون أيضاً أن المشروع ساهم في إهمال كامل لمشروعات تحلية المياة، إذ بات الحل الوحيد لمشكلة المياة مهملاً. هذا عدا الفساد الهائل الذي رافق المشروع، حيث يقدر النهب بأكثر من عشرة مليارات دولار في كل مراحله، يضاف إلى ذلك الفساد في اختيار الشركات المنفذة.
وبرهن الاتفاق الليبي ـــــ التركي على توريد مياه نهر «مانغفات» التركي إلى الجماهيرية عن حقيقة أزمة المياه التي لا يبدو أن النهر نجح في إنهائها حتى اليوم. وقال أمين الهيئة العامة للمياه، عمر سالم، إن «الأزمة المائية القائمة تشمل جميع مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وليبيا ضمن الدول التي تعاني شحاً مائياً متنامياً، حيث حصة الفرد من المياه المتجددة أقل بكثير من 1000 متر مكعب في العام، وهو ما يعرف بخط الفقر المائي»، فيما أشار الخبير الليبي سعد الدين الغرياني إلى أن «ليبيا تعاني نقصاً حادّاً في المياه يصل إلى ملياري متر مكعب سنوياً». بدوره، يقول المتخصص في هندسة مصادر المياه، علي بالرحيم، إن «مياه ليبيا الجوفية محدودة والسدود باتت غير مجدية»، مشيراً إلى أن السلطات «تجاهلت آراء الخبراء الوطنيين عند التفكير في النهر الصناعي، وقد كانت هناك شكوك حول نجاحه منذ البداية».
تبدو قصة النهر غامضة غموض صاحبها. فهل نجح النهر حقاً في إنقاذ ليبيا الصحراوية من الجفاف وأدخل إليها عنصر الحياة، أم أمعن القذافي في الفساد وسرقة حقوق شعبه؟
(الأخبار)
4 تعليق
التعليقات
-
موظف سابق في النهر الصناعيالنهر الصناعي من الناحية التنفيذية يعد ناجح وقد ثم تنفيده من عدة شركات عريقة وعالمية من ضمنها شركة سيمنس بفرع تقنية المياه, الخطأ في التنفيد هو كالاتي: يفترض استغلال المياه الجوفية الهائلة للزراعة من المنطقة الوسطى والجنوبية فقط,,اما الشمالية التي تعد أكثر الكثافة السكانية يفترض إستغلال مياه البحر وإنشاء محطات تحلية لتغذية المنطقة الشمالية,,المشكلة هي المسؤولين والمشرفين على هذا المشروع ونهبهم لأموال الشعب الليبي وعلى رأسهم الطاغوت القذافي, وبالنسبة إلى نجاح المشروع عند تحول المنطقة الصحراوية للحقبة المطيرة التي كانت في جنوب ليبيا,وأما المخزون الجوفي الأرضي فهو يكفي لأكثر من 80 سنة,, ولاتزال بعض الأحواض الجوفية لم تستخدم,,سؤالي هو,,من هم الأشخاص الذي طمسهم القذافي في تخطيط هذا المشروع,,هذا هو السؤال الذي يفترض أن يسأل؟
-
المشروع نفذ وكان ما كان والانالمشروع نفذ وكان ما كان والان يجب دراسة امكانية الاستفادة منه لاقصى حدود
-
الليبيالمشروع الهزلي هو كارثة بكل المقاييس.وانصحكم بزيارة ليبيا للوقوف علي حقيقة تلك الخرافة وابعادها الكارثية التي طالت كل شئ في البلاد.المشروع الاحمق لم ينتج عن دراسة معمقة لحجم الممكن ولاعن رؤية عقلانية تستشرف مستقبل الحماقة المجسدة في انابيب! بل كان نتاج جنون العظمة المتحكم في خلايا المجرم الاخضر وهالة الاغبياء المحيطة برأسه الفارغ الا من انعكاس تألهه علي سطح المرايا..المشروع باضه "العقيد الممثل" الذي اراد دائما ان يكون استطالة ظل الراحل "عبد الناصر" ولكنه يعرف جيدا ان الزعيم الراحل لايمكن ان يستنسخ علي شكل قزم اخضر!!.سيسقط هذا المسخ "بتوصيف نصري الصايغ".فلا مكان له في بلادنا ولم يكن له مكان اصلا.منذ ذلك الفجر الاغبر الذي اشرقت شمسه علي دبابات "1.9.1969" لتكشف تفاصيل وجه كالح من المؤكد ان بلادنا لن تنساه ابدا.. تحياتي للاخبار
-
النهر العظيم قد تكتنفه مشاكل،النهر العظيم قد تكتنفه مشاكل، ليس منها اي من التي ذكرها المقال: - تحلية المياه ليست حلا، بل ذات كلفة هائلة على البيئة و هدر للطاقة و كلفة تشغيل عالية. - مياه الخزان النوبي لن تجف. هي موارد غير متجددة لأنها مياه حبست في عصور سابقة و ما يسحب منها لن يعود. و لكن الاحتياطات هائلة لدرجة لا تمكن الانسان العادي من فهمها. نتكلم عن اكثر من 100 الف مليار متر مكعّب، ستسحب ليبيا منها بعد اكتمال المشروع بالكامل حوالي المليارين سنويا. للمقارنة فان خزان السهول الاميركية اصغر من الخزان النوبي بعشرات المرات و هو يؤمن ثلث مياه الري في اميركا - طالما أن البنية التحتية قد وجدت (أعني الانابيب التي تصل الصحراء بالمدن و مراكز تجميع المياه) فبالامكان دوما تعديل المشروع بأي شكل نريد. بما في ذلك حفر ابار استخراج في اماكن اخرى و ربطها بالشبكة.