بات النفط عاملاً أساسيّاً في الثورة الليبية بعدما قرر الزعيم الليبي معمر القذافي، على ما يبدو، استخدامه سلاحاً لمواجهة الحملة الغربية عليه، فيما لا تزال قوّاته غير قادرة على حسم الموقف في المناطق المحيطة بطرابلساختار الزعيم الليبي معمر القذافي يوم أمس ليعلن صراحة إدخال النفط طرفاً في المعارك الدائرة في ليبيا، عبر قصف خزانات نفطيّة في منطقة السدرة، وسط مخاوف دوليّة من سيناريو يذكّر بإحراق صدام حسين لآبار النفط في الكويت. القذّافي أرفق رسالته النفطية بمبعوثين رسميين إلى عواصم أوروبيّة وعربية، في محاولة لاستعادة المبادرة، بالتوازي مع حركة مبعوثين أيضاً للثوار، الذين بدأوا والنظام في سباق لنيل المشروعيّة الدوليّة.

رسالة القذافي غير المباشرة توازت مع رسالة مباشرة، حين أطلّ الزعيم الليبي تلفزيونياً ليحذّر من أن انهيار الاستقرار في ليبيا سينعكس على أوروبا وعلى منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها إسرائيل. وردّ القذافي، خلال حديث إلى قناة «تي آر تي» التركية، على سؤال عما سيحصل إذا فرض حظر جوي، قائلاًَ إن هذا «يفيد لأن الشعب الليبي في هذه الحالة سيتجه وجهة واحدة، هي مواجهة الاستعمار الجديد والإمبريالية، وسيتضح أنها مؤامرة على ليبيا وعدوان على ليبيا هدفه السيطرة على نفط ليبيا». وأضاف أن «الشعب الليبي كله سيحمل السلاح ويقاتل». وحذر من أن السلام العالمي سينهار إذا انهار في البحر المتوسط. وقال: «إذا انهار الاستقرار في ليبيا، فسينعكس على أوروبا وعلى الشرق الأوسط وما يسمّى إسرائيل».

تحذير القذافي تزامن مع حركة موفدين للنظام بدأت مع وصول رئيس هيئة الإمداد والتموين الليبي، اللواء عبد الرحمن الزاوي، إلى القاهرة، حاملاً رسالة من القذافي إلى المجلس العسكري الحاكم في مصر تتضمن طلبات بمساعدته في مواجهة الثوار.
وقال مصدر في مطار القاهرة إن طائرة كان على متنها اللواء الزاوي وصلت إلى العاصمة المصرية، ولم يعرف أحد حتى من أعضاء البعثة الدبلوماسية الليبية في القاهرة طبيعة الزيارة أو أسبابها. ورغم توتر العلاقات بين طرابلس والقاهرة بعد حديث القذافي عن المؤامرة المصرية على ليبيا، المتمثلة في تصدير حبوب الهلوسة إلى الشباب الليبي وتحريضهم على الثورة، أكدت مصادر ليبية في القاهرة لـ«الأخبار» أن الأسباب الحقيقية للزيارة تتمثل في طلب النظام الليبي أسلحة وذخيرة من المجلس العسكري المصري القائم على تسيير شؤون البلاد. وأشارت المصادر، التي رفضت الإفصاح عن هويتها، إلى أن الزاوي طلب لقاء المشير محمد حسين طنطاوي، منفرداً. لكنه بعدما شعر بصعوبة تحقيق مطلبه هذا، اقترح أن يكون اللقاء بحضور أعضاء المجلس العسكري.
لكن زيارة الزاوي لم تقتصر على طلب لقاء المشير طنطاوي والمجلس العسكري فقط، بل أشارت مصادر داخل وزارة الخارجية المصرية إلى أن الزاوي اتصل فور وصوله إلى القاهرة بمكتب وزير الخارجية نبيل العربي، وطلب لقاءه على وجه السرعة للتشاور في إمكان إغلاق مصر لحدودها مع ليبيا بهدف منع دخول المساعدات إلى الثوار من طريق مصر، وهو الأمر الذي رفضته المصادر، وقالت إنها أبلغت الزاوي ومرافقيه قرار الرفض، لأنها لا يمكنها أن تساعد أو تشترك في حصار ثوار ليبيا، وخصوصاً أن هناك عدداً من المصريين لا يزالون داخل الأراضي الليبية، وإغلاق الحدود من شأنه منع هؤلاء من الوصول إلى مصر.
المفارقة أن الوفد الليبي بقيادة الزاوي ضم سلمى راشد التي يريد النظام الليبي أن تحل مندوبةً لليبيا لدى الجامعة العربية، خلفاً لعبد المنعم الهوني، الذي عينه المجلس الوطني الليبي مندوباً دائماً لدى الجامعة.
وكان دبلوماسيون ليبيون معارضون للقذافي قد أكدوا أن الزاوي، وهو من «الضباط الأحرار» الذين أسهموا في الانقلاب الذي جاء بالقذافي إلى السلطة عام 1969، ينوي إخبار المجلس العسكري المصري أن مصير ما يقارب مليون عامل مصري في ليبيا سيكون مرتبطاً بالموقف الذي ستتخذه مصر في دعم نظام القذافي.
سباق بدا واضحاً بين السلطة والمعارضة على كسب تأييد عربي دولي في النزاع الدائر. ففيما أقلعت 4 طائرات ليبية من مطار طرابلس، إحداها متجهة إلى فنزويلا واثنتان قصدتا دولاً في جنوب آسيا، والرابعة اتجهت جنوباً إلى إحدى الدول الأفريقية، نقلت وكالة الأنباء الرسمية البرتغالية عن مصدر في وزارة الخارجية أن وزير الخارجية البرتغالي، لويس أمادو، استقبل مبعوثاً للزعيم الليبي في لشبونة. وكان مسؤول مالطي قد قال في وقت سابق إن مبعوثين ليبيين وصلوا إلى مالطا، أمس، لإجراء محادثات مع المسؤولين، ثم توجهوا إلى البرتغال.
وفي السياق نفسه، نفى وزير الدفاع الإيطالي، انياتسيو لاروسا، هبوط طائرة ليبية في بلاده تحمل موفدين لنظام القذافي، تعليقاً على أنباء ترددت أنها توقفت في مطار روما في طريقها إلى بروكسل. لكن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني قال إن مبعوثين حكوميين ليبيين توجهوا على ما يبدو إلى بروكسل للحوار مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي، يعقدون اجتماعاً اليوم وغداً.
وعلى خط المعارضة، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيبحث اليوم مع مسؤولي الشؤون الدولية في المجلس الوطني الانتقالي الليبي، محمود جبريل وعلي العيساوي، التطورات في ليبيا. وشارك جبريل إلى جانب العيساوي في جلسة للبرلمان الأوروبي، والتقى مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد، كاثرين أشتون.
وكان فراتيني قد كشف أن «إيطاليا أجرت اتصالاً مع المجلس الوطني المؤقت في بنغازي»، حيث «ظهرت الرغبة لدى تلك الهيئة في رفض التدخل العسكري لقوى أجنبية».
في هذه الأثناء، دخلت معركة المواقع النفطية حيّز التنفيذ أمس، حيث تمحورت المعارك حول منطقتين حيويتين، الزاوية في الغرب والسدرة في الشرق. وفيما لا تزال الزاوية موضع تضارب في المعلومات بشأن من يسيطر عليها، ذكر متحدث باسم الحكومة في طرابلس أن قواتها تسيطر على معظم أجزاء الزاوية، ولم يعد في المدينة سوى عدد قليل من المقاتلين.
وتبادلت الحكومة الليبية والمعارضة اللوم في حادث تفجير منشآت نفطية في شرق البلاد. وقال المعارضون إن قوات القذافي ضربت خط أنابيب نفطياً يؤدي إلى السدرة، وأسقطت قنابل على خزانات في منطقة رأس لانوف. وأفادت قناة «الجزيرة» الفضائية بأن مهندساً يعمل في مرفأ السدرة النفطي، يدعى محمد الهاشمي، قال إن المرفأ تعرض لهجمات جوية دمرت صهاريج تخزين ومنشآت مثل محطات المياه والكهرباء. وأضاف أنه رأى الطائرات الحكومية تهاجم المرفأ، وأن أربعة صهاريج تخزين انفجرت في المجمع النفطي، وكل منها يسع نحو 150 ألف غالون.
وتعليقاً على ذلك، قال المسؤول الإعلامي في المجلس الوطني الليبي المعارض، عصام غرياني، إن القذافي يحاول ضرب خطوط الأنابيب وإثارة قلق الأميركيين، كي يتدخلوا برياً، وهو ما من شأنه أن يعزز الدعم للقذافي بين الشعب الليبي. بيد أن التلفزيون الحكومي الليبي حمّل المسؤولية لعناصر مسلحين «مدعومين من القاعدة».
في هذا الوقت، أكدت مصادر المعارضة أن دبابات تابعة للقذافي تضيّق الخناق على الميدان الرئيسي الذي يسيطر عليه المعارضون في مدينة الزاوية، وأن قناصة تابعين له يطلقون النار على كل شيء يتحرك. لكن أحد المقاتلين في المدينة دحض المعلومات الرسمية، مؤكداً أن الثوار لا يزالون يسيطرون على الميدان الذي يقع في وسط المدينة. وذكر مسؤول في مصفاة الزاوية النفطية، التي تُعَدّ كبرى المصافي الليبية والقريبة من الحدود التونسية، أن معارك ضارية أدت إلى إغلاق هذه المصفاة.
في هذا الوقت، ذكرت صحيفة «برنيق» الليبية، أن عدد ضحايا القصف الذي شنته طائرات سلاح الجو التابعة للقذافي على مدينة رأس لانوف، شرقي طرابلس، ارتفع إلى خمسة قتلى و30 جريحاً. وقال الموقع الإلكتروني للصحيفة، إن «كتائب القذافي لا تزال تقصف الثوار المتاخمين لبلدة بن جواد، 100 كلم شرقي مدينة سرت»، موضحاً أن الكتائب تستخدم صواريخ الغراد والقنابل العنقودية.
من جهة أخرى، أطلق السجناء السياسيون الليبيون البيان التأسيسي لجمعية سجناء السياسة والرأي في ليبيا. وذكرت صحيفة «برنيق» أن البيان يدعو إلى «تأسيس جمعية للسجناء السياسيين من مختلف الأطياف ومن كل أنحاء الوطن، للقيام بمسؤولياتهم تجاه نصرة ثورة 17 فبراير وتحقيق أهدافها».
عربياً، بعد نفي وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، تسلم الرياض طلباً من الولايات المتحدة لتزويد الثوار الليبيين بالأسلحة، كشف المسؤول الإعلامي في المجلس الوطني الليبي المعارض، عصام غرياني، عن أن قطر عرضت على الثوار تسليحهم. وقال إن المجلس العسكري يعكف على تقويم الاحتياجات. وتابع أن فرض منطقة لحظر الطيران سيكون مفيداً، لكن قوات المعارضة ستواجه دبابات. وأضاف أنه سيُبحث ما إذا كانوا سيشترون أسلحة، مشدداً على أن الحصول على السلاح ليس قضية. فقد عرضت قطر ودول أخرى المساعدة.
التسليح أيضاً يشغل واشنطن، إذ قال البيت الأبيض إن الحظر الدولي على إرسال السلاح لليبيا يتضمن مرونة تكفي للسماح بتسليح المعارضين الليبيين إذا صدر قرار بذلك.
وعشية اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي في بروكسل، أعلن الأمين العام للحلف، أندرس فو راسموسن، في حديث إلى شبكة «سكاي نيوز»، أن الحلف «لا يتطلع.. إلى التدخل في ليبيا، لكننا طلبنا من جيشنا وضع تخطيط متعقّل لكل الاحتمالات».
وأضاف: «إذا تطلب الأمر، يمكننا أن نستجيب في وقت قصير للغاية. هناك حساسيات كثيرة في المنطقة في ما يتعلق بما يمكن اعتباره تدخلاً عسكريا أجنبياً. لذلك فإن أي تحرك يجب أن يستند إلى تأييد دولي واسع النطاق يشمل تأييداً من المنطقة».
وكانت مصادر حكومية أميركية قد أكدت أن البدائل التي تُناقَش بشأن فرض منطقة حظر جوي، تتضمن إقامة جسر جوي أو بحري لنقل إمدادات إنسانية أو مرافقة سفن مدنية تتجه إلى ميناء بنغازي أو مناطق أخرى تخضع لسيطرة الثوار الليبيين. وتشمل البدائل أيضاً تسيير دوريات بحرية قبالة السواحل الليبية للإشراف على حظر نقل الأسلحة إلى الحكومة الليبية وفق قرار مجلس الأمن الرقم 1970. وأوضحت هذه المصادر أن الإجراءات البحرية المقترحة لا تتطلب قراراً جديداً من مجلس الأمن.
بدورها، دعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المجتمع الدولي إلى فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، مؤكدة أهمية اتخاذ الأمم المتحدة، لا الولايات المتحدة، هذا القرار. واعترفت بأن الطريق إلى حل الأزمة في ليبيا سيكون طويلاً، وقالت: «نتمنى أن يحل ذلك سلمياً، ونتمنى أن يرحل (القذافي) سلمياً. ونتمنى أن نرى حكومة جديدة تأتي سلمياً». إلّا أنها أضافت: «لكن إذا لم يكن ذلك ممكناً، فعندها سنعمل مع المجتمع الدولي».
وجاءت تصريحات كلينتون في أعقاب محادثات هاتفية أجراها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، أمس، تناولت تنسيق الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء العنف ضد الشعب الليبي، وضمان مساءلة من ارتكبوا هذا العنف.
وأعدّت بريطانيا وفرنسا مسوّدة مشروع قرار جديد بشأن فرض حظر جوي سيقدم إلى مجلس الأمن اليوم، لكنه يواجه حالياً معارضة الصين وروسيا.
(الأخبار، رويترز، يو بي آي)