أفرزت «ثورة 14 شباط» البحرينيّة تحالفات سياسية جديدة، تتمثل في 3 جبهات أساسية، يمكن القول إنها باتت تختصر المشهد السياسي الحالي، وتستعدّ كل منها لحجز موقع لها على طاولة الحوار الوطني المقبل. الجبهة الأولى يمثلها «تجمّع الوحدة الوطنية». أكبر تجمع سنّي أُسّس بعد نحو أسبوع من اندلاع الانتفاضة. رأت أن صوتها غير مسموع، وأنّها «الرقم الصعب» في المعادلة السياسية، على حد تعبير أحد رموزها، الزعيم السلفي عادل معاودة، وعلى باقي الفرقاء أن يحسبوا حسابها على طاولة الحوار.
غالبية مكوّناتها من الشخصيات والجمعيات السنية، أبرزها «الأصالة» التي تمثل التيار السلفي، والمنبر الوطني الإسلامي الذي يمثّل جماعة الإخوان. أسستها نحو ألف شخصية دينية وسياسية واجتماعية سنّية، إضافة الى عدد قليل من الشخصيات الشيعية والمسيحيين واليهود والبهرة، لإضفاء مسحة وطنية.
ويمثّل هذا التجمع 15 شخصية، يرأسهم عبد اللطيف محمود، الشخصية البارزة الذي كان له دور أساسي في الحياة السياسيّة، وكان من الموقّعين على العريضة الشعبية في منتصف التسعينيات، التي طالبت بالإصلاحات وتوسيع هامش الحرية والمشاركة، إلى أن أفل نجمه فجأة وسحب توقيعه. ويقول مراقبون إن انسحابه كان نتيجة ضغط مارسته عليه السلطة، ويذهب البعض إلى اتهامه بأنه أداة بيد السلطة، تحركها كيفما تشاء، كي تعيد خلط الأوراق، وتشكيل التكتلات لمصلحتها.
المطالب التي يرفعها التجمع تتضمّن إجراء إصلاحات سياسية، وتوسيع هامش الحريات وإطلاق سراح المعتقلين، ومحاربة الفساد «من أجل المحافظة على الوطن». وهو لا يوافق على إسقاط الحكومة في الشارع، لكنه لا يمانع إجراء تغيير حكومي شرط أن يكون نتاج التوافق. ولا يقبل المسّ بتاتاً بالأسرة الحاكمة.
ويسعى التجمع أساساً الى التصدّي لكل من يريد «تأزيم الموقف وإثارة الفوضى والوصول إلى أهداف خاصة تؤدّي إلى إسقاط النظام»، وضدّ «أطراف لها علاقات مع الخارج وهي واضحة ومعروفة»، على حد تعبير عبد اللطيف محمود، في إشارة واضحة إلى حركات المعارضة المتشدّدة.
يؤخذ على التجمّع أنّه جبهة سياسية سنّية تدور في فلك النظام وتدافع عن أسرة آل خليفة، وأنه من مخلّفات مشروع «تقرير البندر»، الذي تحدّث عن خطة لإنشاء مثل هذا التحالف السياسي المناوئ لتحالف الأحزاب المعارضة قبل سنوات.
على الضفة المضادة، يقف «التحالف من أجل الجمهورية»، الذي أُعلن تشكيله قبل أيّام. تحالف من ثلاثة أحزاب شيعية من المعارضة المتشدّدة التي ترفض دستور 2002 والإصلاحات السياسية، ولا تقبل بأقلّ من تغيير النظام الملكي وانتزاع الخليفية (تيمناً بآل خليفة) من جذورها. هذه الأحزاب هي حركات «أحرار البحرين» و«الوفاء الإسلامي»، إضافة إلى «حق»، التي انشقّت عن جمعية «الوفاق» الوطنية الإسلامية في 2005، بزعامة حسن مشيمع.
أمّا «الأحرار»، فتُعدّ أكثر تشدّداً من «حق»، إذ تسعى الى إزالة «الاحتلال الخليفي» عبر محاربة الفساد ومكافحة التمييز ومواجهة الاستبداد «الخليفي». تُشجع على المقاومة والعصيان المدني، وتسعى إلى رفع المظلومية الشيعية. أسسها في لندن عام 1983 ثلاثة أشخاص بارزون هم منصور الجمري، رئيس تحرير جريدة «الوسط»، وسعيد الشهابي، ومجيد العلوي الذي تولّى أخيراً وزارة العمل. وبينما عاد الجمري والعلوي إلى البلاد وتصالحا مع نظام آل خليفة في بداية الألفية مع إطلاق مشروع الإصلاحات، ظلّ الشهابي مرابطاً على جبهة هذه المعارضة في الخارج.
أما «الوفاء» الإسلامي، فهو التيار الشيعي الذي يتبع آية الله علي السيستاني. تألّف حديثاً (2009) بزعامة عبد الوهاب حسين وعبد الجليل المقداد، بعد اعتقال حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد مطلع 2009، من أجل «العمل الوطني والإسلامي».
وفي بيانه الأخير، يعلن هذا التحالف الثلاثي تبنّيه «خيار إسقاط النظام وإقامة نظام جمهوري ديموقراطي. ويراهن على العمل مع الشارع الذي رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، والتغيير بـ«الأساليب السلمية الثورية ضمن منهج المقاومة المدنية والعصيان المدني». وتعتمد القاعدة الشعبية لهذا التحالف على الشباب.
وبين الجبهتين الندّين، تقف في الوسط، سبع جمعيات سياسية هي: «الوفاق»، العمل الوطني «وعد»، المنبر الديموقراطي التقدمي (امتداد لجبهة التحرير الوطني)، التجمع القومي الديموقراطي (بعث)، الإخاء الوطني، والتجمع الوطني الديموقراطي والعمل الإسلامي (إسلامية شيعية تتبع التيار الشيرازي). فشلت هذه الجبهة في استقطاب حركة «حق» إلى صفها، رغم الآمال التي علّقها البعض في «الوفاق» على عودة حسن مشيمع إلى البلاد، إذ أصرّ نواب وفاقيون على أن مشيمع سيجتمع مع الجمعيات لبلورة رؤية مشتركة والذهاب بها الى طاولة الحوار الوطني، وسيفكّ ارتباطه بحركة «الأحرار»، وبدا مشيمع متحمساً في البداية رغبة منه في توحيد صف المعارضة. ورأى أن ظروف الثورة أعطت «فرصة ذهبية» وتاريخية من أجل انتزاع الحقوق من السلطة وإزالة التهميش. لكن هذا التفاؤل ما لبث أن سقط مع إعلان انقسام تيارات المعارضة إلى جبهتين.
تعلن المعارضة الوسطية رغبتها في الحوار وإجراء الإصلاحات بغية الوصول إلى هدف الملكية الدستورية، وتُراهن على شعبيتها، إذ تتزعمها «الوفاق»، أكبر كتلة برلمانية حصدت أعلى نسبة من الأصوات الشعبية في الانتخابات السابقة. تلتقي الجمعيات مع «تجمع الوحدة» حول ضرورة الإصلاحات وتوسيع هامش الحريات، وتفترق عنها في مطلب إسقاط الحكومة.
ومع «التحالف من أجل الجمهورية»، تلتقي على ضرورة التغيير والإصلاح، وعلى مبدأ ضرورة رفع الظلم عن الغالبية الشيعية وتحقيق المساواة، لكن تفترق عنها في إسقاط أسرة آل خليفة.
واللافت في هذا المشهد دور الحاكم، الذي يريد أن يصرف النظر عن كونه طرفاً أساسيّاً في الأزمة ليظهر بصورة الوسيط والمضيف لهذا الحوار، ولا سيما بعد تشكيل «التجمع».