الخرطوم | لأن أحبّ الأسماء إلى قلبه «ملك ملوك أفريقيا»، فإن العقيد معمر القذافي راهن على القارة السمراء، مروّجاً فكرة سيادة العرق الأسود على العالم أجمع. ولأجل تحقق تلك النبوءة، بذل الغالي والنفيس وأغدق الأموال على الشعوب الأفريقية، وخصوصاً الحركات المتمردة على سلطة الدولة المركزية. ويبدو أن المصالح متبادلة بين الأفارقة والعقيد،رغم أن الأخير كان الأجزل عطاءً. وتواترت أنباء منذ تفجر الثورة الليبية في السابع عشر من شباط الماضي عن أن النظام اللبيي لجأ إلى مرتزقة من أصول أفريقية لقمع الثوار داخل المدن الليبية، والتي كانت بدايتها في المنطقة الشرقية. ورغم التعتيم الإعلامي، تمكن الليبيون من التقاط صور لأفراد أفارقة يضربون الثوار بالرصاص الحي في بنغازي وغيرها من المدن، من دون أن تبين الصورة إلى أي بلد ينتمون. بيد أن الحكومة السودانية كان لديها الخبر اليقين بمساعدة لجنة تحقيق مكونة من الجهات المختصة، لم تستغرق سوى ثمانٍ وأربعين ساعة لتخرج بتأكيدها أن قامعي الثوار ما هم إلا أفراد منتمون إلى حركات دارفور المسلحة، من دون أن تبين في خلاصة التحقيق ما إذا كانوا من الحركات الموجودة في الأصل داخل الجماهيرية الليبية، أم أن النظام الليبي استقدمهم بعيد انطلاق الثورة، ولا سيما أن الحدود السودانية الليبية مفتوحة.
وتشير معلومات متداولة في الأوساط الأعلامية الى أنه بعد يوم واحد من اندلاع الثورة، التأم اجتماع ثلاثي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، اتخذوا على أثره قراراً استراتيجياً بتجنيد مرتزقة أفارقة يحاربون إلى جانب العقيد القذافي.
كذلك أفادت مصادر أمنية عن لقاء رئيس الاستخبارات الليبية، عبد الله السنوسي وقادة ليبيّين موالين للقذافي في قاعدة عسكرية بالعاصمة التشادية إنجمينا مع قادة إسرائيليين. وفي هذا اللقاء، عرض السنوسي على مدير مؤسسة الاستشارات الأمنيّة «غلوبال سي إس تي»، التي تنشط في العديد من الدول الأفريقيّة، أن تمدّ مؤسسته الأمنيّة، التي تضمّ مجموعات عسكرية أفريقية ووحدات من المستشارين والمدربين العسكريين، ليبيا بمجموعات من أفراد هذه التشكيلات المدربة تدريباً خاصّاً على القتال في الحروب الأهليّة، وفي مقابل ذلك تدفع ليبيا إلى المؤسّسة الإسرائيليّة خمسة مليارات دولار قابلة للزيادة، إذا ما برهن مرتزقتها على فاعليتهم في التصدي للثوار الليبيين.
وسط هذه الاضطرابات، وجد آلاف من أبناء دارفور، الذين هاجروا إلى داخل الحدود الليبية منذ ما يقارب عقد من الزمن عندما كانت حرب الإقليم في أوجها، أنفسهم وقد أصبحوا في موقع المتهم الأول بعد شيوع أنباء عن مشاركة عدد منهم، وتحديداً أولئك المنتمين إلى الحركات المتمردة، في القتال إلى جانب العقيد.
بيد أن مسؤول العلاقات الخارجية في حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم نفى أي وجود عسكري لحركات دارفور داخل الأراضي الليبية. وأكد لـ«الأخبار» أنه «ليس هناك دليل يفيد بتورط أفراد من الحركات في تلك الأحداث»، مشيراً إلى أن «كون الأشرطة المصورة أظهرت أناساً ذوي بشرة سمراء فهذا لا يعني أنهم سودانيون، لأن الليبيين أنفسهم لديهم مواطنون سمر، وليس هناك أي سوداني كان سبباً في النزاع المسلح».
ولا يجد القيادي في حركة «العدل والمساواة» غضاضة من انتماء الدارفوريين الى اللجان الثورية الليبية. وأوضح أنه «حتى إذا انتمى أبناء دارفور إلى الكتائب الأمنية الخاصة بالقذافي، أو كانوا منتمين إلى المجالس الثورية، فهذا حدث لا لأنهم من دارفور، بل لأن معظم السودانيين الذين استقروا في الجماهيرية انضموا الى تلك اللجان والكتائب».
وفي الوقت الذي تصبّ فيه كل الحركات الدارفورية، داخل السودان وخارجه، جام غضبها على وزارة الخارجية، وأحياناً على وزير خارجيتها علي كرتي الذي أعلن تورط الحركات في أحداث الجماهيرية دون أن يراعي سلامة الرعايا السودانيين، بعثت حركة «العدل والمساواة» برسائل إلى المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته لتأمين إجلاء رئيس الحركة جبريل إبراهيم خارج الدولة الليبية، إلى حيث يكون آمناً من أجل الحفاظ على حياته.
وبينما أكد شهود عيان لـ«الأخبار» رؤيتهم لخليل في طرابلس العاصمة الجمعة الماضية، حيث مضى عليه قرابة عام منذ استضافة القذافي له في أيار العام الماضي، شكك شقيقه جبريل في مكان وجوده الحالي، قائلاً «لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد وجود رئيس الحركة في الجماهيرية الليبية أو غيرها من الدول، لكن أقول إنه في جهة آمنه».
وإن كان خليل آمناً، إلا أن غيره من أبناء جلدته في خطر، فالمعلومات الآتية من ليبيا، حسب جبريل، تفيد بأن 146 سودانياً لقوا حتفهم داخل سجن بنغازي، فضلاً عن أن حياة السودانيين أضحت مهددة من قبل الثوار.
وفي السياق، شكا عبد الله أ.، الذي يعيش في ليبيا منذ عشرين عاماً، من التخويف الذي يتعرض له عموم السودانيين، مشيراً إلى الآثار السلبية التي تركتها تصريحات الحكومة السودانية بشأن مشاركة أفراد من حركات دارفور كمرتزقة في التصدي لحركة الاحتجاجات الليبية ضد نظام القذافي. وأوضح عبدالله لـ«الأخبار» أن الناس هنا لا يميزون بين من هو منتمٍ لحركات دارفور من غيره، لكنها تعرف فقط «السوداني»، مؤكداً أنهم عاشوا لحظات عصيبة منذ انطلاقة الأحداث، وازدادوا خوفاً من رد فعل الليبيين تجاههم بعد تصريحات الحكومة السودانية عن «المرتزقة». ورغم تأكيد عبد الله وجود إجماع على إدانة تصريحات كرتي بشأن مشاركة سودانيين في قمع الثوار، إلا أنه لم يستبعد مشاركة أفراد من قبائل الزغاوة من تشاد.
وكالمستجير من الرمضاء بالنار، بات حال الدرافوريين في الجماهيريّة الليبية، فهم لا أرض لهم ولا ملاذ. ووفقاً لجبريل «لا جهة لأبناء دارفور يذهبون إليها، فهم يخشون إن عادوا إلى السودان أن يلقى القبض عليهم، وإن فضلوا البقاء حيث هم يخشون من غضب الثوار».